٣٤ ـ (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أعطى سبحانه الإنسان كل ما يحتاج إليه في حياته حتى أسباب الكمال والرفاهية التي أشار إليها بقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) ـ ٣٢ الأعراف» (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) نحن عاجزون عن تعداد أنعم الله علينا فكيف نؤدي شكرها؟ وأفضل أنواع الشكر لله أن نطيعه ولا نعصيه (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) كل من منع حقا عن أهله ، أو بدد المال وأسرف للتضاهي والتباهي ، أو اغتر به واستكبر ـ فهو ظلوم ، أما الذي يحسب المال هو الدنيا والآخرة جميعا فهو كفّار ، ما في ذلك ريب.
٣٥ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) من كل المخاوف ، واضح ، وتقدم بالحرف الواحد في الآية ١٢٦ من البقرة (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ليس هذا خوفا من الميل إلى عادة الأصنام ، كيف وقد حطمها إبراهيم الخليل بيده؟ وإنما هو خوف من الله تعالى لأن مجرد الخوف من سطوته طاعة وعبادة وتعظيم وتمجيد ، ومجرد الأمن من هذه السطوة معصية ورذيلة ، قال سبحانه : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ) ـ أي عذابه ـ (إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) ٩٩ ـ الأعراف» وقال : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ٢٨ فاطر» والله سبحانه المسئول أن يهدينا ويهدي من قال أو يقول : «من مثلي»! ويقول الإمام السجاد وسيد العباد : أسألك اللهم خوف العابدين وعبادة الخاشعين».
٣٦ ـ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ) أي الأصنام (كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) عبادة الأصنام سبب للخروج من الهدى ودين الحق (فَمَنْ تَبِعَنِي) إيمانا وعملا (فَإِنَّهُ مِنِّي) كناية عن أن القريب من الله ورسله من قربه الدين والخلق الكريم (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) اترك أمر العاصي إليك ، تفعل به ما تشاء ، وأنت حليم كريم وغفور رحيم ، وكأنّ خليل الرّحمن يسترحمه ويناشده العفو عمن عصاه وخالف أمره ورضاه ... هذا هو رب العباد ، وهذا كتابه ، وهؤلاء رسله وأنبياؤه : رحمة وسعت كل شيء ، وعطاء دونه كل عطاء ، وخير يعم ويشمل كافة الخلق التقي منهم والشقي ... ولن يكون الخالق وأنبياؤه وأولياؤه إلّا هكذا.
٣٧ ـ (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) ولكن ليس بالصلاة وحدها يحيا الإنسان ، فإن آفات الفقر ومساوئ المرض والجهل تسمم الحياة ، وتهدمها من الأساس ، ولذا قال إبراهيم لربه : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) إذا لم يكن عند بيت الله زرع وضرع فلتتوافد الناس عليه للعبادة أو للتجارة ، ومعهم الخبز والإدام ، وعندها تأكل ذرية إبراهيم ، وتصلي وتشكر ... هذا ما كان أيام الزمان ، أما اليوم فينابيع الذهب الأسود تفور من هنالك ، وتسلك السبيل المقرر لها.
٣٨ ـ (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ...) بأني ما سألتك الذي سألت لأهل بيتك المحرم إلا إخلاصا لك واعترافا بجودك وكرمك ، وأشار إبراهيم بقوله : (وَما نُعْلِنُ) إلى هذا الذي طلبه من الله تعالى ، وبقوله : (ما نُخْفِي) إلى أشياء ومآرب أخرى لم يذكرها لأنه تعالى أعلم بها وأدرى.
٣٩ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ