وتقدم في الآية ١٥٠ من الأعراف (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) هل نسيتم فضله عليكم ، وأخيرا وعده بأن تصلوا إلى جبل الطور؟ (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي مدة غيابي عنكم (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) عذابه في الدنيا والآخرة ، وإذا ارتد اليهود عن دين موسى وهو قائم على رؤوسهم ، فما ذا تكون الحال من بعده؟
(فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) وعدتموني بالثبات على دين الله ، فنكثتم وارتددتم.
٨٧ ـ ٨٩ ـ (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) نحن لا نملك أمرنا لأنا مسيّرون لا مخيّرون! هكذا يلقي المجرم تبعة سلوكه على القضاء والقدر أو على الآخرين (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) المراد بالأوزار : الأثقال ، وزينة القوم : حلي النساء الفرعونيات التي استعاروها للعرس أو للعيد ، وحملوها معهم (فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) صنع عجلا من ذهب بطريقة إذا مرّ عليه الريح أحدث صوتا وخوارا ، وبهذا يتبيّن لنا أن القرآن ينسب صنع العجل إلى السامري ، أما التوراة المتداولة فتسند صنع العجل إلى هرون النبي بكل صراحة ، فقد جاء في سفر الخروج أول الإصحاح الثاني والثلاثين ما نصه بالحرف الواحد : «ولما رأى الشعب ـ بنو إسرائيل ـ أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هرون وقالوا له : قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ما ذا أصابه ، فقال لهم هرون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم ، وأتوني بها ، فنزع كل الشعب أقراط الذهب ، وأتوا بها إلى هرون ، فأخذ ذلك ، وصوره بالإزميل ، وصنعه عجلا مسبوكا ، فقالوا : هذه آلهتك يا إسرائيل ، فلما نظر هرون بنى مذبحا أمامه ، ونادى غدا عيد للرب». نقلنا هذا النص بحرفه وعلى طوله علما بأن هذا الموجز يضيق عنه ، ولكن سنطوي الكلام حول الآيات الآتية لوضوحها وتقدم ذكرها ، ومن جهة ثانية أردنا أن يوازن القارئ أو يقارن بين نص التوراة المنسوب إليه تعالى في حق نبيّه المعصوم هرون ، وبين نص القرآن الكريم في هرون وقصته مع العجل ، وهو قوله تعالى :
٩٠ ـ (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ) لعبدة العجل (هارُونُ مِنْ قَبْلُ) أن يعود موسى : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) ضللتم بعبادة العجل (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) الذي خلق كل شيء (فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) في ترك العجل وعبادته.
٩١ ـ (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) مقيمين على عبادة العجل (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) جاء في تفسير الرازي نهج البلاغة : أن يهوديا قال للإمام عليّ (ع) : «ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه؟ قال عليهالسلام : إنما اختلفنا عنه لا فيه ، ولكنكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم : اجعل لنا آلهة فقال : إنكم قوم تجهلون.
٩٢ ـ ٩٤ ـ (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ ...) تقدم في الآية ١٥٠ من الأعراف.
___________________________________
الإعراب : و (غَضْبانَ) حال و (أَسِفاً) حال ثانية. فكذلك الكاف بمعنى مثل ومحلها النصب صفة لمفعول مطلق محذوف أي ألقى السامري إلقاء