خوفا وجبنا ، ولاذوا به ليحرسهم ويذود عنهم (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ) وكفى الله المؤمنين القتال ملأوا الدنيا بشجاعتهم ونجدتهم و (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) يزرون بمواقف الأبطال وشجاعة الشجعان! وما أشبه هؤلاء بأهل الشعارات الدينية المزيفة والوطنية المزخرفة في هذا العهد! ولكن للناس الطيبين حاسة خفية في أعماقهم لا تخفي عليها هذه الأغشية الكاذبة (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) المراد بهذا الخير الغنيمة ، أي أن المنافقين جبناء عند الحرب ، وأهل جرأة وصلافة عند تقسيم الغنائم (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) منذ البداية بل نافقوا (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) لم يقبل منها شيئا لأنها لغير الله. وفي الحديث : من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
٢٠ ـ (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) سيطر الهلع والفزع على المنافقين الجبناء حتى خيّل إليهم أن جيش الأحزاب لن يجلو عنها وينسحب منها إطلاقا علما بأنه هزم وولى الدبر (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) لغزو المدينة مرة ثانية (يَوَدُّوا) أي المنافقون الجبناء (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ) قائمون في البادية مع الإعراب بعيدون عن المدينة (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) من ورد عليهم : ما ذا حلّ بالمدينة وأهلها من جيش الأحزاب؟
٢١ ـ (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) عليكم أن تقتدوا برسول الله (ص) ، في الصبر عند الجهاد (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) يأمل ثواب الله ونعيم الآخرة (وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) كناية عن إقامة الفرائض الخمس.
٢٢ ـ (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) كان الرسول الأعظم (ص) قد وعد المسلمين من قبل بأنهم سيلاقون ألوانا من المحن والشدائد من أعداء الله والدين ، وحين رأوا جيش الأحزاب يحاصرهم من كل جانب ، قالوا صدق الله العليّ العظيم وصدق رسوله النبي الكريم.
٢٣ ـ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) الإيمان عهد وميثاق ورابطة متينة بين الله وعبده على الطاعة ، والشرط الأساس في هذه الطاعة أن لا يتساهل المؤمن الحق مع نفسه ولا مع أولاده وذويه في أي شيء لا يرضي الله سبحانه ، ومتى تحقق هذا الشرط لم يقم في وجه المؤمن أي حاجز يصده عن مرضاته تعالى ، وبدون هذا الشرط فلا إيمان إلا في اللون والشكل ، وكان لرسول الله (ص) رجال كثر على الإيمان الحق ، يفدونه بالمهج والأرواح ، وكان الآباء يبارزون الأبناء كما كان الولد يتربص بأبيه وأخيه وكانت المرأة تفتدي زوجها وولدها وأباها وأخاها ، وهي تحمد الله على نجاة رسول الله (ص) وهذه الآية نزلت في هؤلاء الصفوة (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) استشهد يوم بدر وأحد (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الشهادة أو النصر.