أجزاء أرضها (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) رزقا وهواء (وَرَبٌّ غَفُورٌ) لمن آمن واتقى ، وقد أرسل سبحانه لقوم سبأ رسله وأنبياءه مبشرين ومنذرين.
١٦ ـ (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) بكسر الراء ، ومعناه السد الذي يمسك الماء فيرتفع ويسقي الزرع (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) شجر الأراك (وَأَثْلٍ) الطرفاء ، (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) أرسل سبحانه على قوم سبأ عذابا خرب السد ، وأهلك الزرع والضرع ، وأبدلهم بالحدائق الغناء أشجارا ضرها أكثر من نفعها كالطرفاء والسدر وما أشبه مما لا تستسيغه إلا الحيوانات.
١٧ ـ (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) أطغاهم الغنى ، وكفروا بأنعم الله ، فكان جزاؤهم الذل والهوان بالجوع والفقر (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أبدا لا يجزى جزاء الشر إلا فاعله ١٨ ـ (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) كان من نعم الله على قوم سبأ أن قراهم كانت متواصلة متقارب بعضها من بعض مع كثرة الأشجار والثمار ، فإذا ما سافر أحدهم لا يحمل طعاما ولا شرابا ، فحيث نزل وجد الماء والثمر (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) وفوق ذلك كله الأمن والأمان للحاضر والمسافر ليلا ونهارا.
١٩ ـ (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) طلبوا من الله سبحانه أن يباعد القرى عن بعضها ، ويجعل بينها مفاوز وفلوات كي يركبوا الرواحل ويحملوا ، ويبدو من هذا أن للسفر متعته وفوائده على ما فيه من مشاق (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالطغيان وكفران النعم (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) شتتهم سبحانه ووزعهم في أقطار شتى حتى صاروا أحدوثة للأجيال ومضرب الأمثال ، ومن ذلك : «تفرقوا أيدي سبأ» وأبناء عاملة ـ أي أهل جبل عامل المعروف اليوم بجنوب لبنان ـ جاء ذكرهم في حديث لرسول الله (ص) ذكره ابن كثير في تفسيره ج ٣ ص ٥٣١ ، وهذا نصه : «لسبأ من الولد عشرة : سكن اليمن منهم ستة وأربعه في الشام ، أما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير ، وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان.
٢٠ ـ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) حيث قال : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ـ ٣٩ الحجر» (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وتومئ كلمة «فريق» أن الكثرة الكاثرة من أهل الأديان وغيرهم من حزب إبليس.
٢١ ـ (وَما كانَ لَهُ) لإبليس (عَلَيْهِمْ) على العباد (مِنْ سُلْطانٍ) من حجة وبرهان أو إكراه وإرغام (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) لا شيء عند الشيطان إلا التزين والوسوسة بالباطل ، ولا يستجيب له إلا من كان دينه في معدته وهيئته ، أما من رسخ دينه في عقله وقلبه فيدعه الشيطان إلى من يستهويه ويغازله.
٢٢ ـ ٢٣ ـ (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) قل يا محمد للمشركين : نادوا واستغيثوا بالذين زعمتموهم شركاء لله أو شفعاء عنده ، ثم انظروا هل يسمعون وينفعون