فَوْقَها) «ما» زائدة للتوكيد ، وبعوضة مفعول أول ، ومثلا مفعول ثان. قال المشركون : الله لا يضرب الأمثال بالبعوضة الحقيرة ، فردّ سبحانه بأنه لا يترك التمثيل بالبعوضة ترك المستحي ما دام القصد من التمثيل مجرد التفهيم والتقريب إلى العقول والأذهان (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أي أن أهل العلم والعقل لا يرون التمثيل بالبعوضة منافيا لجلال الله وعظمته (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) يقولون ذلك جهلا أو تضليلا (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) السبب المباشر للإضلال هو التمثيل بالبعوضة ، وأسند إلى الله تعالى في الظاهر لأنه هو الذي ضرب المثل. أشبه بما لو عملت عملا جليلا فمات عدوّك حسدا ، فأيّ ذنب فعلت؟ (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) من العقلاء الراغبين في الهداية (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) أبدا لا سلطان للشيطان إلا على أوليائه.
٢٧ ـ (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ) يفسخون (عَهْدَ اللهِ) وهو إعمال العقل والعمل بوحيه كما قال سبحانه : أفلا تعقلون أفلا تتفكرون؟ (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) الميثاق الثبوت والإحكام (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) كالبر بالرحم ونصرة الحق (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالجرائم والآثام والتناحر على الحطام (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) وكل مبطل خاسر.
٢٨ ـ (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) نطفا في أصلاب الآباء (فَأَحْياكُمْ) فأخرجكم منها ذكورا وإناثا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد الحياة (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بعد الموت (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للحساب والجزاء.
٢٩ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فيه دلالة على أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يثبت العكس (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) قصد إليها بإرادته (فَسَوَّاهُنَ) هذا الضمير يفسّره قوله سبحانه (سَبْعَ سَماواتٍ) ومعنى سواهن عدّل خلقهنّ على ما تقتضيه الحكمة (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وأيضا غفور رحيم.
٣٠ ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وهو آدم وذريته (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وعرف الملائكة ذلك منه تعالى بطريق أو بآخر (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) التسبيح تنزيه لله تعالى. ، وبحمدك في موضع الحال أي نسبّح حامدين (وَنُقَدِّسُ لَكَ)
____________________________________
الاعراب : يصح أن تكون (ما) من قوله تعالى : (مَثَلاً ما) زائدا جيء بها للتوكيد ، و (بَعُوضَةً) مفعولا أولا ، و (مَثَلاً) مفعولا ثانيا مقدما ، والتقدير ان الله لا يترك جعل البعوضة مثلا ، وقيل : يجوز أن يكون (مَثَلاً) حالا من (بَعُوضَةً). وأيضا يجوز أن تكون (ما) اسما مبهما بمعنى شيء من الأشياء ، وعليه تكون مفعولا ليضرب ، وبعوضة بدلا منها ، ومفعولا ثانيا مقدما ، والتقدير ان الله لا يترك جعل شيء من الأشياء مثلا ، حتى ولو كان هذا الشيء بعوضة.