(ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى) المكالمة السرية الا ويعلمها سبحانه سواء أكانت بين ثلاثة أم أقل ، بين خمسة أم أكثر (أَيْنَ ما كانُوا) في السماء أو على وجه الأرض أو تحتها ، وفوق ذلك يعلم كل خاطر يمر بالخيال ، وكل عزيمة يعقدها القلب ، وكل نظرة تسترقها العين (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) فأما الذين أصلحوا فيوفيهم أجورهم وزيادة ، وأما الذين سعوا في الأرض فعليهم غضب من الله وعذاب عظيم.
٨ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) تناجي فريق بالإثم والعدوان ، فنهاهم الرسول بالحسنى ، فعصوا ولم ينتهوا (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ) ومع إصرارهم على معصية الرسول كانوا يبدءونه بالتحية (بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) روي أن أناسا من اليهود دخلوا على النبي (ص) وقالوا : بدل السلام عليك السام عليك يا أبا القاسم ، والسام هو الموت. فقال : وعليكم. فنزلت الآية (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) : لو كان محمد نبيا ونحن نعامله بهذه المعاملة لعاجلنا الله بنقمته ، فرد سبحانه عليهم بقوله : (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها) لا تعجلوا فالنار أمامكم هي مأواكم وبئس مثوى الظالمين.
٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) المؤمن حقا وواقعا يتقي معصية الله والرسول ، ولا ينطق بكلمة الإثم والظلم ، أما الذين يصومون ويصلّون ويتنجسون من الكلب والخنزير ، ثم يحقدون ويحسدون ويستغيبون ويفترون ـ فما هم من الإيمان في شيء إلا في الاسم والادعاء ، وهم المقصودون بالنداء في هذه الآية ، والمعنى يا أيها الذين يدعون الإيمان ... (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) هذي هي صفة المؤمنين : يتواصون بالحق والخير لا بالباطل والشر.
١٠ ـ (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) أي نجوى الحقد والحسد ، والخدش والنهش (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يتناجى اخوان الشياطين بالإثم ، ليسيئوا إلى ذوي الصدق والفضل
___________________________________
الإعراب : ولو لا بمعنى هلا. و (جَهَنَّمُ) مبتدأ مؤخر و (حَسْبُهُمْ) خبر مقدم. واسم ليس ضمير مستتر يعود الى الشيطان. و (بِضارِّهِمْ) الباء زائدة وضارهم خبر ، و (شَيْئاً) مفعول مطلق لضارهم.