ومن الحكم البالغة : الحسد موكل بأهل الفضل (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً) أقاويل تذهب مع الريح ، ويبقى إثمها على قائلها.
١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) هذه الآية في آداب الجلوس ، ومعناها واضح ، وهو أن يحسن أهل المجلس بعضهم إلى بعض ، ويحترم الصغير منهم الكبير ولا يتنافسوا على الصدر (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) لأن الجزاء من جنس العمل ، وفي نهج البلاغة : كان رسول الله (ص) يجلس جلسة العبيد ، ويخصف نعله بيده (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) كان النبي (ص) يقيم نفرا ـ من مقاعدهم ليجلس الأفضل إيمانا وعلما ، ويوحي بذلك قوله تعالى بلا فاصل : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) فثقل ذلك على بعض من كان يأمرهم النبي (ص) بالقيام والنشوز ، ولما نزلت هذه الآية تأدب الصحابة بآدابها عن طيب نفس.
١٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) روي أن الصحابة كانوا يسألون النبي (ص) ويكثرون حتى شق ذلك عليه ، فأمرهم سبحانه أن يتصدقوا قبل أن يسألوا الرسول تخفيفا عليه ، وتزكية لهم (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) أي فمن لم يجد ما يتصدق به واضطرّ إلى السؤال فلا حجة عليه ، لأن الله يحتج على عبده بما أعطاه ، فأحجموا بالكامل عن الصدقة والسؤال إلا الإمام عليّ (ع) فإنه تصدق وسأل كما جاء في العديد من التفاسير ، منها تفسير الطبري والرازي وابن كثير ، وبعد أن عمل الإمام وحده بهذه الآية رخّص سبحانه بإسقاط وجوب الصدقة ، وعاتب الصحابة بقوله :
١٣ ـ (أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) هل خفتم أيها الأغنياء النقص في الأموال؟ كيف وهي تربو وتزكو بالصدقات (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) ما أمرتم به من الصدقة قبل المناجاة وعفى الله ـ فاحرصوا على سائر الواجبات ولا تفرطوا بها (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في ترك المحرمات ولا عذر إطلاقا لمن يستهين ويهمل شيئا من هذه الطاعات والواجبات.
١٤ ـ ١٥ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) نزلت هذه الآية في المنافقين المذبذبين حيث كانوا يقابلون المسلمين بوجه ويحلفون لهم أنهم منهم ، ويقابلون اليهود بوجه ، وأيضا يحلفون الأيمان المغلظة أنهم على دينهم ، وما هم من هؤلاء ولا أولئك (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ
___________________________________
الإعراب : (يَرْفَعِ) مجزوم لأنه جواب الأمر وهو انشزوا أي إن نشرتم يرفع الخ. و (دَرَجاتٍ) منصوبة بنزع الخافض أي الى درجات. ومفعول أشفقتم محذوف. والمصدر من (أَأَشْفَقْتُمْ) مجرور بمن مقدرة أي أأشفقتم الفقر من تقديم الصدقة.