فقد يتوقفون في هاتين الصورتين عن الحمل عليها حتى بتفحص عن حاله. وسيأتي إنشاء الله إمكان القول باستثنائهما عن قاعدة الصحة حتى في الأمور الشرعية عند ذكر التنبيهات
وحيث ان أفعال العقلاء وسيرهم وما يستندون إليها في أمورهم مبنية على أصول عقلائية غير تعبدية ، لا بد لنا من البحث في منشأ هذه السيرة وتحقيق حالها كي نكون على بصيرة من الفروع المشكوكة التي تترتب على هذا الأصل. فنقول ومن الله سبحانه نستمد التوفيق والهداية :
ان منشأ هذه السيرة العامة العقلائية في حمل الأفعال الصادرة عن الغير على الصحة لا يخلو عن أحد أمور ثلاثة :
أولها «الغلبة» ـ بأن يقال ان الافعال الصادرة عن الغير لما كانت صحيحة غالبا فصارت هذه الغلبة مورثة للظن بصحة الفرد المشكوك ، إلحاقا له بالأعم الأغلب فهذا الظن الناشي من الغلبة حجة عندهم في المقام ؛ ولا يلازم القول بحجية هذا الظن هنا حجيته في جميع المقامات ، لما فيه من دواع أخر ، كشدة الحاجة وعموم الابتلاء وغير ذلك ، انضمت اليه فأوجبت بنائهم على العمل به.
ولكن هذا احتمال ضعيف ، لما نشاهده من عدم اعتنائهم بشأن هذه الغلبة وبنائهم على هذا الأصل ولو في مقامات لا تكون الصحة غالبة فيها كبنائهم في غير هذه المقامات ، مضافا الى إمكان منع دعوى الغلبة وإنكار كون غالب الأفعال الصادرة من الناس صحيحة لو لم يكن الغالب على أفعالهم الفساد فتدبر.
ثانيها ـ توقف حفظ النظام وصلاح المجتمع عليها ، نظرا إلى انه لو لم يبن على الصحة في موارد الشك في الأفعال الصادرة عن الغير لزم العسر الأكيد والحرج الشديد واختل أمر المعاش ونظام أمور الناس ، لانسداد باب العلم العادي الذي يمكن الوصول اليه بطرق متعارفة في هذه الموارد لغالب الناس فصار هذا منشئا لبنائهم واتفاقهم على حملها على الصحة فيما إذا لم يقم دليل خاص عليها ، بل ومطالبة مدعى الفساد بالدليل ويقرب هذا المعنى الى الذهن ويزيده وضوحا ما يلزم من عدم البناء على هذا الأصل من فساد الأموال