والأنفس والتنازع والتشاجر ولو في يوم واحد.
ثالثها ـ اقتضاء العمل بحسب طبيعته الأولية للصحة ، بيان ذلك : لا ريب في ان الاثار المترقبة من الأفعال إنما تترتب عليها إذا صدرت صحيحة والافراد الفاسدة لا يترتب عليها أثر أو الأثر المترقب منه وحيث ان غرض العقلاء من كل فعل هو آثاره المطلوبة فالدواعي النفسية والبواعث الفكرية انما تدعوا الى الافراد الصحيحة ، فكل فاعل ـ لو خلى وطبعه ـ يقصد الافعال الصحيحة ويتحرك نحوها فإنها التي تفيض عليه الاثار التي يطلبها والفوائد التي يرومها ؛ فلا يطلب الفاعل بحسب طبعها الأولى إلا الفرد الصحيح وما يصدر من الأفعال الفاسدة من بعض الفاعلين اما تكون من غفلة واشتباه أو أغراض فاسدة غير طبيعية ، وكل ذلك على خلاف الطبع. ويتضح ذلك عند ملاحظة حال العقلاء في جميع أمورهم من الحرف والصنائع وبناء الابنية ، ومن معاملاتهم وسياساتهم وغيرها.
فكما ان الصحة في مقابل العيب هو الأصل في كل مبيع لأنها مقتضى طبعها الاولى وسنة الله التي قد جرت في خلقه ، فينصرف البيع إليها من غير حاجة الى التصريح بها ، فيكون المعيب غير مقصود للمتبايعين لأنه مخالف للطبيعة الأولية في الخلقة ؛ فكذلك الأمر في الأفعال الصادرة من العقلاء فإن الدواعي الحاصلة لهم الباعثة على العمل انما تدعوا الى الفرد الصحيح الذي يكون منشئا للآثار ، لا الفاسد الذي لا يترتب عليه الأثر المرغوب فيه ، فبذلك صار الأصل في الأفعال الصادرة من الفاعلين ـ مسلمين كانوا أو غير مسلمين ـ هو الصحة ، والفساد انما ينشأ من أغراض غير طبيعية أو من خطأ الفاعل وغفلته الذي هو أيضا على خلاف الأصل والطبع. هذا غاية ما يمكن ان يقال في منشأ هذا الاعتبار العقلائي والأقرب من هذه الوجوه هو الوجه الأخير ثمَّ الثاني.
وكيف كان ـ استقرار سيرة العقلاء على هذا الأصل مما لا يكاد ينكر ، من غير فرق بين أرباب الديانات وغيرهم ؛ ومن غير فرق بين كون الفاعل مسلما أو غيره ، وجميع ما ورد في الشرع في هذا الباب في الموارد الخاصة كلها إمضاء لهذا البناء العقلائي لا تأسيس لأصل جديد.