لم يفده حمل فعل البائع على الصحة على القول الأول ، ويفيده على الثاني ، فإذن تنحصر فائدة هذه القاعدة على القول الأول بالموارد التي تطابق الصحة عند الفاعل الصحة عند الحامل ، واما في غيرها فإنما تفيد بالنسبة إلى الآثار التي يكون موضوعها الصحة الفاعلية كالايتمام على قول.
ثمَّ اعلم ان المدرك الوحيد في هذه المسألة هو ملاحظة الدليل الذي استندنا إليه في إثبات أصل القاعدة ؛ وحيث ان عمدتها ـ كما عرفت ـ هي السيرة المستمرة بين العقلاء من جميع الأمم وفي جميع الأعصار على اختلافهم في المذاهب والآراء فالحق هو الحمل على الصحة الواقعية لأنه لم يعهد منهم ان يتساءلوا بينهم من معتقد الفاعلين في المسائل المختلفة عند حمل أفعالهم على الصحة ، ويزيدك وضوحا ملاحظة حال المسلمين في الأعصار المختلفة مع تشعبهم في المذهب واختلافهم في المسائل الفرعية فلم يعهد منهم السؤال عن معتقد الفاعل إذا كان وكيلا في البيع وغيره أو وصيا عن ميت أو وليا على صغير أو غير ذلك ، بل تحمل أفعالهم على الصحيح عند الشك من غير فحص عن حال فاعلها.
ولعل قائلا يقول : ان منشأ هذه السيرة كما ذكرت أحد أمور ثلثة : أما الغلبة ؛ أو اقتضاء طبيعة العمل ، أو التعبد العقلائي دفعا للحرج وحفظا لنظام المجتمع ولا شك ان شيئا منها لا يقتضي أزيد من الصحة الفاعلية ضرورة أن الدواعي الباعثة على العمل انما تدعو الى الصحيح في نظر الفاعل وبحسب معتقده ، والغلبة انما تكون في موافقة عمله لما هو الصحيح عنده ، والحرج والاختلال يندفعان بالحمل على الصحة الفاعلية ، لتطابق الصحة عند الفاعل والحامل في كثير من الموارد وكفى بها في دفع محذور الحرج والاختلال.
وفيه ـ انه انما ذكرنا هذه الأمور بعنوان الحكمة والداعي لبناء العقلاء على هذا الأصل ، لا العلة التي يدور الحكم مدارها وقد عرفت ان ما نشاهده من سيرتهم هذه لا تنحصر بالموارد التي تطابق الصحة الفاعلية والصحة عند الحامل بل تعمها وغيرها. وقد عرفت ان استمرار سيرة المسلمين على هذه القاعدة المتخذة من سيرة العقلاء يؤكد