الحرجيين ـ فهل يجزى عنه لكون المرفوع وجوبه لا أصل مشروعيته ، أو لا يجزى لكونه باطلا لعدم الأمر به رأسا فيكون تشريعا محرما؟
وهذه المسألة كأصل القاعدة غير معنونة في كلمات القوم مستقلا حتى ان المحقق النراقي الذي انفرد بذكر هذه القاعدة في عوائده لم يتعرض لها ولا لغير واحد من التنبيهات التي ذكرناها ، الا ان الذي يظهر من غير واحد من أعاظم المتأخرين في الفروع الفقهية المتفرعة على هذه القاعدة كونها من باب الرخصة لا العزيمة ، فلنذكر بعض ما وصل إلينا من كلماتهم ثمَّ نتبعها بما هو المختار.
قال الفقيه المتتبع الماهر صاحب الجواهر قدسسره الشريف في ذيل مسألة سقوط الصيام عن الشيخ والشيخة وذي العطاش ما نص عبارته :
«ثمَّ لا يخفى عليك ان الحكم في المقام ونظائره من العزائم لا الرخص ضرورة كون المدرك فيه نفى الحرج ونحوه مما يقضى برفع التكليف ـ الى ان قال : «مع عدم ظهور خلاف فيه من احد من أصحابنا عدا ما عساه يظهر من المحدث البحراني فجعل المرتفع التعين خاصة تمسكا بظاهر قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ) الى قوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)» انتهى.
وظاهر كلامه ان دلالة عمومات نفى الحرج على ارتفاع التكليف كلية وكونه من باب العزيمة أمر مفروغ عنه ، حتى ان ذهاب المحدث البحراني إلى الرخصة في هذا المورد الخاص انما هو لقيام دليل خاص عليه وهو قوله تعالى (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ).
وقال المحقق الهمداني في مصباحه في بعض التنبيهات التي ذكرها في مسوغات التيمم ما حاصله :
ان التيمم في الموارد التي ثبت جوازه بدليل نفى الحرج رخصة لا عزيمة ، فلو تحمل المشقة الشديدة الرافعة للتكليف واتى بالطهارة المائية صحت طهارته ، كما تقدمت الإشارة إليه في حكم الاغتسال لدى البرد الشديد ، فإن أدلة نفى الحرج لأجل ورودها في مقام الامتنان وبيان توسعة الدين لا تصلح دليلا إلا لنفي الوجوب لا لرفع الجواز.
ثمَّ أورد على نفسه بقوله : فان قلت : إذا انتفى وجوب الطهارة في موارد الحرج