فلا يبقى جوازها حتى تصح عبادة ، فإن الجنس يذهب بذهاب فصله وبعبارة أخرى أدلة نفى الحرج حاكمة على العمومات المثبتة للتكاليف فتخصصها بغير موارد الحرج فاتيانها في تلك الموارد بقصد الامتثال تشريع محرم.
ثمَّ أجاب عنه بأنه إذا كان منشأ التخصيص كون التكليف بالوضوء والغسل حرجيا من دون ان يترتب عليهما عدا المشقة الرافعة للتكليف مفسدة أخرى لا يجوز الاقدام عليها شرعا كالضرر ونحوه ، فهو لا يقتضي إلا رفع مطلوبية الفعل على سبيل الإلزام لا رفع ما يقتضي الطلب ومحبوبية الفعل ، وكيف كان فلا يفهم من أدلة نفى الحرج عرفا وعقلا الا ما عرفت (انتهى) (١).
وقال السيد السند المحقق الطباطبائي اليزدي في «العروة» في المسألة ١٨ من مسوغات التيمم : إذا تحمل الضرر وتوضأ واغتسل فان كان الضرر في المقدمات من تحصيل الماء ونحوه وجب الوضوء والغسل وصح وان كان في استعمال الماء في أحدهما بطل ، واما إذا لم يكن استعمال الماء مضرا بل كان موجبا للحرج والمشقة كتحمل الم البرد أو الشين مثلا فلا يبعد الصحة ؛ وان كان يجوز معه التيمم ، لان نفى الحرج من باب الرخصة لا العزيمة ، ولكن الأحوط ترك الاستعمال وعدم الاكتفاء به على فرضه فيتمم أيضا» انتهى.
واستشكل عليه كثير من المحشين وصرحوا بوجوب التيمم أو بعدم ترك الاحتياط به
أقول ـ قد ظهر لك مما ذكرنا سابقا ان أدلة نفى الحرج وان لم تكن حاكمة على عمومات الاحكام الا انها مقدمة عليها لقوة دلالتها بالنسبة إليها فيخصص العمومات المثبتة للأحكام بها ، ومن الواضح انه لا دلالة لتلك العمومات عرفا على إثبات أمرين : الإلزام والمطلوبية ، حتى يرتفع أحدهما ويبقى الأخر ، بل المستفاد منها حكم واحد إثباتا ونفيا ؛ فاما ان يخصص فينتفى من أصله ؛ واما ان يبقى بحاله ؛ ولا دخل له بمسألة عدم جواز بقاء الجنس من دون فصله ، فان ذلك مسألة عقلية والكلام هنا في دلالة لفظية بحسب متفاهم العرف. فالذي يقتضيه القاعدة الأولية هو نفى المشروعية رأسا
__________________
(١) كتاب الطهارة من المصباح ص ٤٦٣.