يعتنى بهذا الشك ويكر النظر إليه مرة بعد مرة كلما شك في شيء مما يعتبر فيها؟
مع ان احتمال الفساد من ناحية الغفلة موجود في غالب أفعال الإنسان كيف وقد صار الغفلة والنسيان كالطبيعة الثانية له ، وللغفلات تعرض للاريب.
وكلما كان الفعل أدق وكان اجزائه وشرائطه أكثر كان هذا الاحتمال فيه أقوى ، فإذا كتب كاتب كتابا ضخما كان احتمال الغلط فيه من ناحية الغفلة والاشتباه فيه قويا جدا ولكن إذا كان الكاتب ذو بصيرة في فعله ونية صادقة في كتابته عازما على بذل مجهوده في تصحيح الكتاب لا يعتنى باحتمال الفساد فيه إذا فرغ منه وجاوز عنه الا ان يكون هناك قرائن وأمارات توجب الظن بوجود الخلل في بعض نواحيه.
ولا فرق في ذلك بين ان يكون الكاتب غيره أو نفسه فشك في عمل نفسه. نعم إذا كان هو مشتغلا بعمله فشك في شيء منه في محله يكر النظر اليه حتى يكون على ثقة من صحته وأدائه كما هو حقه.
ولعمر الحق ان هذا أمر ظاهر لا سترة عليه لمن راجع أفعال العقلاء وديدنهم في أمورهم المختلفة في الجملة ؛ وان كان باب المناقشة في جزئيات المسئلة وحدودها سعة وضيقا واسعا ولكن أصل هذه القاعدة ـ على إجمالها ـ محفوظة عندهم.
والظاهر ان الوجه في بنائهم هذا ان احتمال الغفلة حين الاشتغال بالعمل في حد ذاته أمر مرجوح لا يعتنى به. أضف اليه ان العاقل الشاعر الذاكر حين الفعل لا يأتي بما هو مخالف لأغراضه واهدافه.
وهذا هو بعينه ما أشار إليه الإمام (عليهالسلام) في عبارة وجيزة لطيفة في رواية «بكير بن أعين» الماضية (١) حيث قال : «هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك».
فإنه كالصغرى لكبرى محذوفة تعرف من سياق الكلام وهي ان الذاكر لفعله لا يأتي بما هو مخالف لمقصود وغرضه وإذا انضمت هذه الكبرى الى صغرى مذكورة في كلامه عليهالسلام
__________________
(١) نقلناها تحت الرقم ٥ في الروايات العامة.