عنوان الضرر على الأحكام المجعولة فيها كلها تحتاج الى نوع من العناية والمسامحة ، بل إطلاق العالم على ذاك العالم الفرضي الاعتباري أيضا من باب المجاز ؛ غاية الأمر انها من باب الحقيقة الادعائية (والمجازات كلها أو جلها من هذا القبيل على المختار) فالشارع المقدس إذا اعتبر شيئا نفيا أو إثباتا في عالم التشريع فقد جعله فردا ادعائيا للوجود والعدم الخارجيين وأطلق الألفاظ عليه بهذه الملاحظة ، والحاصل ان النفي في المقام وأشباهه ليس محمولا على معناه الحقيقي.
ثانيها ـ انه لو سلمنا ان النفي هنا حقيقي بلحاظ عالم التشريع ـ كما افاده ـ لم تبق حاجة في توجيه انطباق عنوان «الضرر» على الأحكام الضررية إلى بحث الأسباب التوليدية ، فإن جعل الأحكام الضررية ؛ وضعية كانت أو تكليفية ، بنفسه مصداق لعنوان الإضرار في وعاء التشريع لا سبب له ، فان الجعل والاعتبار في عالم التشريع كالإيجاد في عالم التكوين ، فمن شرع قانونا ضرريا فقد أضر بمن يشمله بنفس هذا الجعل وبعبارة أخرى : الحكم بجواز أخذ مال الغير بغير حق ، بالنسبة إلى عالم التشريع كالأخذ منه في عالم الخارج ، فكما ان أخذه منه بنفسه مصداق للضرر فكذلك الحكم بالجواز في عالم التشريع مصداق له بهذا النظر فبنفس هذا الحكم ينتزع منه المال في عالم الاعتبار ويعطى غيره ولا فرق فيه بين الأحكام التكليفية والوضعية ، نعم لو كان النفي بلحاظ عالم التكوين مست الحاجة الى بحث الأسباب التوليدية في توجيه انطباق عنوان الضرر على الأحكام الضررية كما لا يخفى.
ثالثها ـ ان ما ذكره من كون الأحكام التكليفية من سنخ الأسباب التوليدية بتوسيط ارادة المكلفين المنبعثة من تلك الاحكام فهو أيضا في غير محله ، فإن أفعال المكلفين وان استندت إلى إراداتهم الا ان إراداتهم مستندة الى اختيارهم ـ على ما هو التحقيق من بطلان الجبر ـ فليست الأحكام الشرعية عللا توليدية للإرادة بل العلة لها هو الاختيار والاحكام من قبيل المعدات والدواعي المؤكدة لاختيار احد الطرفين لا غير هذا مضافا الى انه لو تمَّ هذا البيان كان اللازم الحكم بصدق عنوان الضرر في عالم الخارج لا عالم التشريع لان انبعاث الإرادة عن الأحكام التكليفية يوجب تحقق الفعل