لا بد لنا من البحث في مقامين مختلفين ؛ وقد عرفت آنفا ان مسألة التولي من قبل الجائر وسائر موارد الإكراه على إضرار الغير داخلة في باب تعارض الضررين وليست من باب تحمل الضرر المتوجه الى الغير ، فما نذكره من الاحكام هنا شاملة لها أيضا فنقول :
المقام الأول فيما إذا تعارض ضرران ودار الأمر بين الإضرار بأحد الشخصين أو أحد المالين لا على التعيين ولم يكن منشأه تصرف المالك في خصوص ملكه وحاصل القول فيه ان التأمل التام في أدلة نفى الضرر يرشدنا إلى انها لا تشمل صورة تعارض الضررين ، إما لأنها واردة مورد الامتنان فلا تشمل الا الموارد التي تكون قابلة له لا مثل المقام الذي لا يكون قابلا له على كل حال فتأمل. والا لانصرف اخبار الباب الى ما لا يلزم منه الضرر إلا في أحد طرفيه دون ما يلزم منه ذلك في كلا طرفيه ، والوجه فيه ان ظاهر الأدلة ولو بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع ان الشارع المقدس أراد بنفي الضرر في عالم التشريع إعدامه من صفحة الوجود بالنسبة إلى مناسبات المكلفين بعضهم ببعض ، وهذه الغاية إنما تنال إذا كان الضرر في أحد طرفي الفعل والترك لا في كليهما فكما أن إخراج رأس الدابة عن القدر بكسر القدر مستلزم للضرر على صاحب القدر فكذلك ذبح الدابة وحفظ القدر يوجب الإضرار على صاحبها فلا يحصل غرض تشريع هذا الحكم من واحد منهما والحاصل ان مناسبة الحكم والموضوع هنا مع قطع النظر عن ورود القاعدة مورد الامتنان تقتضي انصرافها عن مورد التعارض.
فاللازم التماس دليل آخر للحكم هنا ، والذي يظهر لنا بعد الرجوع الى «سيرة العقلاء» في أمثال هذه المقامات وما يقتضيه «قاعدة الجمع بين الحقوق مهما أمكن» هو لزوم تقديم جانب الضرر الأقوى بان يكسر القدر أو المحبرة في المثالين السابقين إذا كانت قيمتهما أقل من قيمة الدابة ـ كما هو الغالب ـ ثمَّ يجعل الخسارة على المالكين جميعا لا على واحد منهما فقط ، والوجه في تضمين صاحب الدابة شقصا من الخسارة ان كسر القدر انما كان لحفظ ماله ، وفي تضمين صاحب القدر شقصا آخر ان توجه هذا الضرر الى المالين لم يكن بتفريط من صاحب الدابة حتى يكون ضامنا لجميع القيمة بل انما