الفقراء الذين هم صفوة الخلق ، واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعيين والحنفيين ، ومال فأفرط على الأشاعرة ، ومدح فزاد في المجسّمة ، هذا وهو الحافظ المدره والإمام المبجّل ، فما ظنّك بعوام المؤرخين » (١).
وقال السبكي ـ بترجمة الحسين الكرابيسي ، بعد الكلام في مسألة اللفظ ـ :
« فإذا تأمّلت ما سطرناه ونظرت قول شيخنا في غير موضع من تاريخه : أنّ مسألة اللفظ ممّا ترجع إلى قول جهم ، عرفت أن الرجل لا يدري في هذه المضايق ما يقول ، وقد أكثر هو وأصحابه من ذكر جهم بن صفوان ، وليس قصدهم إلاّ جعل الأشاعرة ـ الذين قدّر الله لقدرهم أن يكون مرفوعا ، وللزومهم للسنّة أنّ يكون مجزوما به ومقطوعا ـ فرقة جهميّة.
واعلم أنّ جهما شر من المعتزلة كما يدريه من ينظر الملل والنحل ، ويعرف عقائد الفرق ، والقائلون بخلق القرآن هم المعتزلة جميعا ، وجهم لا خصوص له بمسألة خلق القرآن ، بل هو شر من القائلين بالمشاركة إيّاهم فيما قالوه وزيادته عليهم بطامّات.
فما كفى الذهبي أن يشير إلى اعتقاد ما يتبرّأ العقلاء عن قوله من قدم الألفاظ الجارية على لسانه ، حتى ينسب هذه العقيدة إلى مثل الإمام أحمد بن حنبل وغيره من السّادات ، ويدّعي أنّ المخالف فيها يرجع إلى قول جهم؟
فليته درى ما يقول! والله يغفر لنا وله ، ويتجاوز عمّن كان السّبب في خوض مثل الذهبي في مسائل هذا الكلام ، وإنّه ليعزّ عليّ الكلام في ذلك ، ولكن كيف يسعنا السكوت ، وقد ملأ شيخنا تاريخه بهذه العظائم التي لو وقف عليها العامّي لأضلّته ضلالا مبينا.
ولقد يعلم الله منّي كراهيّة الإزراء بشيخنا ، فإنّه مفيدنا ومعلّمنا ، وهذا
__________________
(١) طبقات الشافعيّة ٢ / ٢٢.