وإفاضة فيض رحمته ، واقتضى فضله العظيم أن يمنّ على العباد بوجود معرفته ، وعلم سبحانه وتعالى عجز عقول عموم العباد عن التلّقي من ربوبيّته ، جعل الأنبياء والرسل لهم الاستعداد العام لقبول ما يرد من إلهيّته ، يتلقّون منه بما أودع فيهم من سرّ خصوصيّته ، ويلقون عنه جمعا للعباد على أحديّته ، فهم برازخ الأنوار ومعادن الأسرار ، رحمة مهداة ومنّة مصفّاة ، حرّر أسرارهم في أزله من رقّ الأغيار ، وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الآثار ، لا يحبّون إلاّ إيّاه ولا يعبدون ربّا سواه ، يلقي الروح من أمره عليهم ويواصل الإمداد بالتأييد إليهم.
وما زال فلك النبوّة والرسالة دائرا إلى أن عاد الأمر من حيث الابتداء ، وختم بمن له كمال الاصطفاء ، وهو نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وهو السيّد الكامل القائم الفاتح الخاتم ، نور الأنوار وسرّ الأسرار ، المبجّل في هذه الدار وتلك الدار على المخلوقات ، أعلى المخلوقات منارا وأتمّهم فخارا.
دلّ على ذلك الكتاب المبين قال الله سبحانه : ( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ومن رحم به غيره فهو أفضل من غيره. والعالم كلّ موجود سوى الله تعالى. وأمّا تفضيله على بني آدم خصوصا فمن قوله صلّى الله عليه وسلّم : إنّي سيد بني آدم ولا فخر. وأمّا تفضيله على آدم عليه اسلام فمن قوله صلّى الله عليه وسلّم : كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين. ومن قوله : آدم فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي. وبقوله : إنّي أوّل شافع وإنّي أوّل مشفّع. وأنا أول من تنشق الأرض عنه. وحديث الشفاعة المشهور الذي:
أخبرنا به الشيخ الإمام الحافظ بقيّة المحدّثين شرف الدين أبو محمّد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي ـ بقراءتي عليه أو قرئ عليه وأنا أسمع ـ قال : أخبرنا الشيخان الإمام فخر الدين وفخر القضاة أبو الفضل أحمد ابن محمّد بن عبد العزيز الحبّاب التميمي وأبو التقى صالح بن شجاع بن سيدهم المدلجي الكناني قالا : أخبرنا الشريف أبو المفاخر سعيد بن الحسين