والتخلّق بمكارم الأخلاق التي هي الأخلاق الإلهية ، فهو قرب بالصّفة لا بالمكان ...
فإذا ، محبّة الله للعبد تقريبه من نفسه بدفع الشواغل والمعاصي عنه وتطهير باطنه عن كدورات الدنيا ، ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنّه يراه ... » (١).
أقول : إذا كان هذا حال من أحبّه الله فيكف يكون حال أحبّ الخلق إلى الله؟ وهل تحصل المراتب الحاصلة لأحبّ الخلق إلى الله لغيره؟ وهل يكون أحد في الفضيلة في مرتبة أحبّ الخلق إلى الله؟ أفلا تدلّ الأحبيّة إليه على الأفضلية عنده؟
وقال القاضي عياض :
« وأصل المحبّة الميل إلى ما يوافق المحبّ ، ولكن هذا في حقّ من يصحّ الميل منه والانتفاع بالوفق ، وهي درجة المخلوق. فأمّا الخالق ـ جلّ جلاله ـ فمنزّه عن الأعراض ، فمحبّته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة أسباب القرب وإفاضة رحمته عليه ، وقصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه وينظر إليه ببصيرته ، فيكون كما قال في الحديث : فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به. ولا ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرّد لله والانقطاع إلى الله والإعراض عن غير الله وصفاء القلب لله وإخلاص الحركات لله » (٢).
إذا ، الأحبيّة سبب الأفضليّة ...
__________________
(١) إحياء علوم الدين ٤ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨.
(٢) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ٣ / ٣٧٢.