وبعد :
فما هو متن الحديث؟ وما هو مدلوله؟
قد عرفت سقوط هذا الحديث معنى على فرض صدوره ...
وعلى الفرض المذكور ... فلا بدّ من الالتزام بأحد أمرين : إمّا وقوع التحريف في لفظه ، وإمّا صدوره في قضيّة خاصّة ...
أمّا الأوّل فيشهد به : أنّه قد روي هذا الخبر بالنصب ، أي جاء بلفظ « أبا بكر وعمر » بدلا عن « أبي بكر وعمر » وجعل أبو بكر وعمر مناديين مأمورين بالاقتداء ... (١).
فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يأمر المسلمين عامة بقوله « اقتدوا » ـ مع تخصيص لأبي بكر وعمر بالخطاب ـ « باللذين من بعده » وهما « الكتاب والعترة » ، وهما ثقلاه اللذان طالما أمر بالاقتداء والتمسّك والاعتصام بهما (٢).
وأمّا الثاني ... فهو ما قيل : من أنّ سبب هذا الخبر : أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان سالكا بعض الطرق ، وكان أبو بكر وعمر متأخّرين عنه ، جائيين على عقبه ،
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لبعض من سأله عن الطريق الذي سلكه في اتّباعه واللحوق به : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وعني في سلوك الطريق دون غيره (٣).
وعلى هذا فليس الحديث على إطلاقه ، بل كانت تحفّه قرائن تخصّه بمورده ، فأسقط الرّاوي القرائن عن عمد أو سهو ، فبدا بظاهره أمرا مطلقا بالاقتداء بالرجلين ... وكم لهذه القضية من نظير في الأخبار والأحاديث الفقهية والتفسيريّة
__________________
(١) تلخيص الشافي ٣ / ٣٥.
(٢) إشارة إلى حديث : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ». راجع : الأجزاء الثلاثة الاولى من كتابنا ، تجد البحث عنه مستقصى.
(٣) تلخيص الشافي ٣ / ٣٨.