الأهمّ في نظر الشارع وقيل ابتغوا ما أحلّ الله لكم لا ما حرّم وهما محتملان.
٦ ـ « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا » إلخ هذا من باب ما خصّ بمتّصل وهو هنا الغاية أعني « حَتّى يَتَبَيَّنَ » وهل هي راجعة إلى جميع الجمل المتقدّمة أو إلى الأخيرة قال الشافعيّ بالأوّل وأبو حنيفة والمحقّقون منّا بالثاني وقال المرتضى صالحة للكلّ وللبعض ويتفرّع إباحة الجماع إلى الفجر فالغسل بعده على قول الشافعيّ فالطهارة غير شرط. قالوا ويدلّ أيضا على جواز النيّة نهارا لأنّه لمّا أباح المباشرة والأكل إلى الفجر كان ابتداء الصوم بعده والصوم ليس بمجرّد الإمساك بل مع النيّة فيكون الأمر بإيقاع النيّة بعد الفجر وفيه نظر لأنّه لو كان كذلك لوجبت بعد الفجر وليس كذلك إجماعا على أنّ نيّة الصوم معناها القصد إليه وقصد الشيء متقدّم عليه وابتداؤه من الفجر فالنيّة قبله ، هذا مع أنّه يلزم وقوع جزء فيه بلا نيّة وهو باطل وعلى قولنا يرجع إلى « كُلُوا وَاشْرَبُوا » ويبقى حكم المباشرة يخصّ بمنفصل.
٧ ـ الخيط الأبيض هو الفجر الثاني المعترض في الأفق كالخيط الممدود والخيط الأسود ما يمتدّ معه من الغبش تشبيها بخيطين أبيض وأسود وليسا بمستعارين لقوله « مِنَ الْفَجْرِ » لأنّ من شرط الاستعارة أن يجعل المستعار منه نسيا منسيّا. روى سهل الساعدي أنّها نزلت ولم يكن قوله « مِنَ الْفَجْرِ » فكان رجال إذا صاموا يشدّون في أرجلهم خيوطا بيضا وسودا فلم يزالوا يأكلون ويشربون حتّى يتبيّن لهم ثمّ نزل لهم البيان في قوله « مِنَ الْفَجْرِ » (١) فان صحّ هذا النقل ففيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وهو مذهب الأشاعرة ومنعه أبو الحسين محتجّا بأنّ الخطاب بما لا يفهم منه المراد عبث وهو قبيح لا يصدر عن الحكيم وفيه نظر لجواز أن يكون المراد بالخطاب هو استعداد الامتثال والعزم على فعل المأمور به بعد البيان فيثاب على العزم فلا يكون عبثا لكن ينبغي أن يكون هذا قبل دخول
__________________
(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٣٢٨.