ومن ذلك نستنج : أنّ الإنسان مجبور ، وليس مخيّراً ، وتوجد آيات تقول غير ذلك.
ج : ننقل لكم نصّ كلام العلاّمة الطباطبائيّ في كتابه تفسير الميزان حول تفسير قوله تعالى ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... ) (١).
( وفي قوله تعالى : لا إكراه في الدين ، نفى الدين الإجباريّ ، لما أنّ الدين وهو سلسلة من المعارف العلميّة التي تتّبعها أُخرى عملية يجمعها أنّها اعتقادات ، والاعتقاد والإيمان من الأُمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار ، فإنّ الإكراه إنّما يؤثّر في الأعمال الظاهريّة ، والأفعال والحركات البدنية المادّية.
وأمّا الاعتقاد القلبيّ فله علل وأسباب أُخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والإدراك ، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً ، أو تولّد المقدّمات غير العلميّة تصديقاً علميّاً ، فقوله : لا إكراه في الدين ، إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكماً دينيّاً بنفي الإكراه على الدين والاعتقاد ، وإن كان حكماً إنشائياً تشريعيّاً كما يشهد به ما عقبه تعالى من قوله : ( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرهاً ، وهو نهي متّك على حقيقة تكوينيّة ، وهي التي مرّ بيانها أنّ الإكراه إنّما يعمل ويؤثّر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية.
وقد بيّن تعالى هذا الحكم بقوله : ( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، وهو في مقام التعليل ، فإنّ الإكراه والإجبار إنّما يركن إليه الآمر الحكيم والمربّي العاقل في الأُمور المهمّة ، التي لا سبيل إلى بيان وجه الحقّ فيها ، لبساطة فهم المأمور ورداءة ذهن المحكوم ، أو لأسباب وجهات أُخرى ، فيتسبّب الحاكم في حكمه بالإكراه ، أو الأمر بالتقليد ونحوه.
وأمّا الأُمور المهمّة التي تبيّن وجه الخير والشرّ فيها ، وقرّر وجه الجزاء الذي
____________
١ ـ البقرة : ٢٥٦.