يلحق فعلها وتركها ، فلا حاجة فيها إلى الإكراه ، بل للإنسان أن يختار لنفسه ما شاء من طرفي الفعل ، وعاقبتي الثواب والعقاب ، والدين لمّا انكشفت حقائقه ، واتّضح طريقه بالبيانات الإلهيّة الموضّحة بالسنّة النبويّة ، فقد تبيّن أنّ الدين رشد ، والرشد في اتباعه ، والغيّ في تركه والرغبة عنه ، وعلى هذا لا موجب لأن يُكره أحد أحداً على الدين.
وهذه إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبتن على السيف والدم ، ولم يفت بالإكراه والعنوة ، على خلاف ما زعمه عدّة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم : أنّ الإسلام دين السيف ، واستدلّوا عليه : بالجهاد الذي هو أحد أركان هذا الدين.
وقد تقدّم الجواب عنه في ضمن البحث عن آيات القتال ، وذكرنا هناك : أنّ القتال الذي ندب إليه الإسلام ، ليس لغاية إحراز التقدّم وبسط الدين بالقوّة والإكراه ، بل لإحياء الحقّ ، والدفاع عن أَنـْفَسِ متاعٍ للفطرة وهو التوحيد ، وأمّا بعد انبساط التوحيد بين الناس ، وخضوعهم لدين النبوّة ، ولو بالتهوّد والتنصّر فلا نزاع لمسلم مع موحّد ولا جدال ، فالإشكال ناش عن عدم التدبّر.
ويظهر ممّا تقدّم : أنّ الآية ـ أعني قوله : ( لا إكراه في الدين ) ـ غير منسوخة بآية السيف ، كما ذكره بعضهم.
ومن الشواهد على أنّ الآية غير منسوخة التعليل الذي فيها ، أعنّي قوله : قد تبيّن الرشد من الغيّ ، فإنّ الناسخ ما لم ينسخ علّة الحكم ، لم ينسخ نفس الحكم ، فإنّ الحكم باق ببقاء سببه ، ومعلوم أنّ تبيّن الرشد من الغيّ في أمر الإسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف ، فإنّ قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) مثلاً ، أو قوله : ( وقاتلوا في سبيل الله ) الآية ، لا يؤثّران في ظهور أحقّية الدين شيئاً ، حتّى ينسخا حكماً معلولاً لهذا الظهور.
وبعبارة أُخرى : الآية تعلّل قوله : ( لا إكراه في الدين ) بظهور الحقّ ، وهو