الالتزام بمضمونه تعبّداً ، ولكن هذا أمر آخر لا يرتبط بأُصول الدين والعقيدة.
٥ ـ على ضوء ما ذكرنا ، فإنّ موارد السنّة والروايات كلّها تأتي في حوزة شمول الأحكام ، فلا معنى لذكر أمثلة من هذا القبيل للاستدلال على حجّية خبر الواحد في العقائد ، فإنّ الفرائض ـ هي أوامر ونواهي ـ تعبّدية يجب الالتزام والعمل بها ، لا أنّها من أُسس العقيدة ، وعليه فإنّ السنّة تثبت بخبر الواحد ـ مع اجتماع شروط الصحّة ـ وهذا ممّا لا خلاف فيه ، ولكن هذا لا يستلزم ثبوت العقيدة به.
٦ ـ ومن هنا تعرف أنّ الأحاديث التي ذكرها القائل ـ على فرض صحّتها بأجمعها ـ أجنبية عن المقام ، ولا ملازمة بين قبولها ، وبين حجّية خبر الواحد في العقائد.
٧ ـ خلاصة القول هي : أنّ الخبر الواحد بما هو ، ليس فيه إلاّ اقتضاء الظنّ ، ثمّ بمعونة أدلّة الحجّية يتّصف بصفة العلم ، ولكن هذا علم تعبّديّ وتنزيليّ ، أي أنّه ـ الخبر الواحد ـ ينال مقام العلميّة بواسطة أدلّة أُخرى ، فليس في كنه وجوده ـ بدون تلك الأدلّة ـ إلاّ الظنّ.
ومن جانب آخر ، فإنّ أُصول الدين والعقائد تحتاج لاعتقاد قطعي وجزمي ، لا تستمد صفة علميّتها من أدلّة أُخرى ، بل تكون هي بوحدها تفيد العلم واليقين ، وهذا لا يفرض في الخبر الواحد.
٨ ـ وأخيراً : نرى أنّ ردّ صاحب المقال على الحنفيّة في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة أيضاً محلّ مناقشة وتأمّل ، والصحيح أن نرد قول الحنفيّة بعدم التنافي بين مفاد الآية والروايات ، بل التنافي يقع بين إطلاق الآية والأحاديث المذكورة ، وبحسب القواعد المقرّرة في علم الأُصول نرفع اليد عن الإطلاق والعموم في الآية ، ونقيّدها أو نخصّصها بتلك الروايات ، وهذا هو الجمع العرفي بين الإطلاق والتقييد ، أو العموم والخصوص.