بعد منع أبي بكر وعمر تدوين الحديث (١).
ثمّ مجيء دولة بني أُمية وتدوين الحديث ، إلى أن ظهرت آلاف الكتب التي تحدّثت عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، إلى أن ظهر لنا البخاريّ المولود سنة ١٩٤ هـ ، والذي شرع في تأليف صحيحه ، وهو في سنّ السادسة عشر (٢).
ثمّ جاء القوم بعده وقلّدوه فيما قاله : من أنّ هذا الكتاب كلّه صحيح من أوّله إلى آخره ، وكذلك ألّف تلميذه مسلم بن الحجّاج صحيحه ، مدّعياً نفس دعواه ، وجاء من بعدهم معتمداً على كلامهم ـ والسياسة لها دخل أيضاً ـ بأنّ كلّ ما فيهما صحيح ، فلذلك انسدّ باب الاجتهاد في روايات صحيح مسلم والبخاريّ من حيث توثيق الرواة ، ومن حيث الرواية ، فكلّ رواية وردت فيهما فهي صحيحة.
وهذه هي النكتة المائزة ، فإذا ألّف مسلم والبخاريّ كتابيهما ، ومن يأتي بعدهما لا يناقشهما فيهما ، فينتج أنّهما صحيحان ، لا غبار عليهما ، وهذا هو غلق لسنّة النبيّ صلىاللهعليهوآله الآمرة بالنظر في الحديث ، وتمييز الصحيح من السقيم.
وليس ذلك أمراً إيجابياً للفكر السنّي كما قد يتصوّر ، بل إذا أردنا التعمّق أكثر وأكثر ، ينتج لنا أنّ المدرسة السنّية أضفت العصمة على كتابي مسلم والبخاريّ ، ورفضت سنّة النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام.
وهناك ملحوظة لابدّ من أن نلتفت إليها ، وهي : أنّ القوم وإن قالوا بصحّة روايات البخاريّ ومسلم ، لكنّهم في مقام العمل لا يعملون بكلّ ما في البخاريّ ومسلم ، لوجود التعارض والتضارب بين بعض الروايات التي ينقلها البخاريّ نفسه ، أو مسلم نفسه ، كروايات الرضعات الخمس الواردة في صحيح مسلم (٣) ، وكروايات تزوّج النبيّ صلىاللهعليهوآله ميمونة وهو محرم ، مع أنّها نفسها تنكر ذلك ،
____________
١ ـ سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٠١.
٢ ـ تاريخ بغداد ٢ / ١٤.
٣ ـ صحيح مسلم ٤ / ١٦٧.