كحجّية ألفاظ القرآن الكريم ، إلاّ أنّها تأتي بعدها في الرتبة ، وهذه دعوى خطيرة ، والأُولى أن نسمّيها فطيرة فالآيات القرآنيّة كلّها بألفاظها قطعية الصدور ، وحجّة على المسلمين إلى يوم الدين ، أمّا روايات البخاريّ فإنّها أخبار آحاد ، فهي ظنّية الصدور فضلاً عن دلالتها ، وأغلبها مرويّ بالمعنى ، وكثيراً منها ما قطّعه البخاريّ ، فتجد الحديث الواحد مروياً في عدّة أبواب ، وعدّة كتب يختلف زيادة ونقصاناً ، مع اتحاد الراوي ، على أنّا لو وافقناهم في تسمية صحيح البخاريّ بالجامع للأحاديث النبويّة بتمام معنى الكلمة ، لتخلّف عن ذلك المعنى الدقيق في عرضه الحوادث والسير والمغازي ومواقف صحابية ، بل وحتّى أحاديث النساء ، مثل قصّة أُمّ زرع وأبي زرع ، فأين هذا من الحديث النبويّ الشريف.
إذاً ، فتصوّر عصمة متون صحيح البخاريّ تصوّر عاميّ خاطئ ، وقد ردّ ذلك غير واحد من أعلام أهل السنّة المحدثين فضلاً عن المتقدّمين من محمّد رشد رضا صاحب المنار ، وإلى ناصر الدين الألبانيّ في مقدّمة شرح العقيدة الطحاويّة وغيرهما.
أمّا عن أسانيده فرجاله ـ وإن قال المقدسيّ في الرجل يخرج عنه في الصحيح : هذا جاز القنطرة ، بل وهذا من الاسفاف في القول ـ فإنّ فيهم من لا تلتقيّ بذمّه الشفتان ، وحسبك أن ترجع إلى مقدّمة فتح الباري لابن حجر ، لتجد بنفسك العدد الضخم ، ممّن جرّحه علماء الجرح والتعديل ، فقد قال : ( أنّ الذين انفرد البخاريّ بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضع وثلاثون رجلاً ، المتكلّم فيهم بالضعف منهم ثمانون رجلاً ، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاريّ ستمائة وعشرون رجلاً ، المتكلّم فيه بالضعف منهم مائة وستون رجلاً ) (١).
وإذا قرأت تراجمهم ـ وقد ساقهم ابن حجر على حروف الهجاء ـ لوجدت فيهم
____________
١ ـ مقدمة فتح الباري : ٩.