ويدحض هذا ، ما ترويه بعض كتب السيرة في قدوم النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى المدينة مهاجراً ، ومعه أبو بكر ، فكان المسلمون في استقباله ، ومنهم من كان يسأل أيّهما النبيّ؟ فهل يمكن أن نقول : أنّ أُولئك الذين ماتوا وهم لم يعرفوا النبيّ صلىاللهعليهوآله ماتوا ميتة جاهلية؟ معاذ الله أن يقول ذلك أحد من المسلمين.
ولمّا كانت الإمامة امتداداً للنبوّة ، وخلافة عنها في إتمام رعاية رسالتها لأنّها فرع عنها ، فهل لك أن تقول : بأنّه يجب في الفرع أكثر ممّا في الأصل؟ إنّما الواجب معرفة النبيّ أو الإمام معرفة إجمالية بأسمائهما وأوصافهما ، وتواتر الحجّة على صحّة وجودهم ، والإيمان بحجّتهم نبوّة أو إمامة.
س ٢ : إنّ الله تعالى حيّ وموجود معنا في كلّ مكان ، وهو الحجّة الأكبر ، فما هي الحاجة إلى حجّة دونه؟ ما لم يكن بين حجّية الله تعالى وحجّية الإمام فرق؟ أم أنّ هناك فرقاً ، فما هو؟!
ج ٢ : صحيح أنّ الله تعالى موجود حي ، ولكن ليس هو الحجّة ، بل الصحيح أن نقول : له الحجّة كما في الكتاب المجيد ( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (١) ، لأنّ معنى الحجّة هو البرهان والدليل ، وهو حال من مستدلّ وهو غيره ، والله سبحانه هو جاعل الحجّية فلا يقال هو الحجّة ، إنّما الحجّة له على خلقه بإرساله الرسل وبعثه الأنبياء عليهمالسلام ، فهم الحجج.
فتنبّه إلى غلط التعبير عندك ـ وهو الحجّة الأكبر ـ فالله سبحانه بمنّه وفضله ولطفه بعباده بعث لهم أنبياء ، وجعل لهم أوصياء من بعدهم يرعون رسالاتهم ، وبذلك يستدلّ على خطأ من يقول : الله هو الحجّة الأكبر.
ثمّ أنا لو سلّمنا جدلاً بصحّة تلك المقولة ، كيف السبيل إلى الأخذ عنه ، وهو يرى ولا يُرى ، فلابدّ للناس من وسيلة يبلغهم عنه أوامره وزواجره ، وهم الأنبياء ، ومن بعدهم الأوصياء ، ونحن على ذلك.
____________
١ ـ الأنعام : ١٤٩.