س ٣ : ما هي الحكمة من غياب الإمام؟ وكيف يتناسب الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة؟
ج ٣ : ليست الغيبة بدعة في التاريخ ، ولا في الدين ، فقد غاب غير واحد من الأنبياء نتيجة اضطرارهم ، والخوف على أنفسهم ، فقد قال موسى عليهالسلام : ( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (١) ، وما لنا نذهب في التاريخ السحيق ونغيب في متاهاته ، ولكن هلمّ بنا إلى تاريخ الإسلام القريب ، ألم يغب رسول الله صلىاللهعليهوآله مضطرّاً في حصار الشعب طيلة ثلاث سنوات؟ فماذا كان المسلمون يستفيدون منه ، وهو في الشعب محجوب عنهم؟ ألم يغب عن مسلمي مكّة حين هاجر إلى المدينة خائفاً يترقّب؟
وما دمنا كمسلمين نؤمن بأنّ الله تعالى هو الذي يأمر أنبياءه بالغيبة والهجرة حفاظاً عليهم ، ولم يبعدهم عن الطبيعة البشرية من خوف على السلامة ، كان علينا التسليم بأنّ ذلك كان لمصلحة ، وأن كنّا لا ندرك سرّها أسوة بما نجهل كثيراً من أسرار وحكم في أُمور الشريعة ، فليس لنا ولا يحقّ لنا أن نسأل : لماذا غيّب الله موسى عن فرعون عند ولادته؟ ثمّ ردّه الله ليربّيه في قصره ، ليكون له عدوّاً وحزناً؟
وليس لنا أن نسأل : لماذا أمر الله نبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله بالهجرة حين أنزل عليه ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ )؟ (٢).
وليس لنا أن نسأل : لماذا صلاة الصبح ركعتان؟ وصلاة الظهر أربعاً؟ والمغرب ثلاثاً؟ وهكذا.
وكلّ ما أمكننا أن ندرك من وجه الحكمة في غيبة بعض الأنبياء عليهمالسلام ، هو الحفاظ على حياتهم من شرّ أعدائهم ، فكذلك كانت الحكمة في غيبة الإمام المهديّ عليهالسلام الحفاظ على سلامته ، مادام ظرفه كظروفهم من حيث
____________
١ ـ الشعراء : ٢١.
٢ ـ الأنفال : ٣٠.