ثالثاً : أنّ يكون نسبة القول بالجسمية إليه لروايته خبراً دالاً على الجسمية ، يراد به غير ما هو ظاهره ، فزعموا أنّه يقول بالجسمية.
رابعاً : أنّ ابن الحكم كان أوّلاً من أصحاب الجهم بن صفوان ، ثمّ انتقل إلى القول بالإمامة ، وليس معنى هذا زوال أفكاره التوحيدية السابقة فوراً ، فلعلّه نقل عنه ما نقل ، قبل أن يهذّب عقائده ، وأوائل استبصاره وهدايته.
والعمدة في المقام أن يقال : إن ترحّم الأئمّة عليهمالسلام ـ ممّن كان بعد هشام ، كالإمامين الرضا والجواد عليهماالسلام ـ هو أدّل دليل على أنّه حين ملازمته للصادقين عليهماالسلام لم يكن معتقداً بالجسمية حتماً ، إذ ثبوت ذلك عنه يكون كفراً بلا شبهة.
وذاك أمّا أنّه لم يكن معتقداً بذاك أصلاً ، أو قال به من باب إلزام الخصم وإفحامه ، أو كان يقول به ، ثمّ رجع عنه بمجرد التفاته إلى أنّه لا يقال به ـ إمّا لوصوله بذلك عن دليل ، أو لعدم رضا إمامه بذلك ـ ولعلّه كان يعتقد أنّ الجسمية ـ كما عند كافّة العامّة ـ تقول بها الإمامية ، ويكفي شاهداً لذلك ما روي عنه عن الإمام الصادق عليهالسلام من قوله : ( أنّ الله تعالى لا يشبه شيئاً ، ولا يشبهه شيء ، وكلّما وقع في الوهم ، فهو بخلافه ) (١).
والحاصل : أنّه يمكن الإجابة عن هذه الشبهة ـ كما صدر من البعض ـ بأُمور :
أوّلاً : إنكار أصل قوله بالتجسيم حتّى في أوّل أمره ، وصدور النسبة إنّما كانت من المخالفين معاندة إمّا تسقيطاً له ولأمثاله ، أو عجزاً عن جواب ما احتج به عليهم.
ثانياً : أنّه كان مخطئاً في قوله ، ورجع عنه بمجرد إحرازه عدم رضا إمامه بذلك.
____________
١ ـ كنز الفوائد : ١٩٩ ، الإرشاد ٢ / ٢٠٤ ، التوحيد.