ثالثاً : إنّ هذه العبارة : ( جسم لا كالأجسام ) لا يراد منها ما هو ظاهرها ، وأنّه ليس المراد : أنّه تعالى جسم ، إذ ذاك كفر صريح ، بل هو غلط في العبارة ، يرجع في إثباتها ونفيها إلى اللغة.
رابعاً : إنّ كلامه ليس على الحقيقة حتّى يقدح به ، بل أراد منه إثبات أنّه شيء ، وذلك غير ضارّ ، فلا يراد منه أنّه جسم ، فلا يكون كفر بحال.
خامساً : إنّما جاء بذلك على سبيل المعارضة مع المعتزلة ، أي : أنّكم إذا قلتم أنّ الله تعالى شيء لا كالأشياء ، فيلزمكم أن تقولوا هو جسم لا كالأجسام ، وليس كلّ من عارض بشيء ، وسأل عنه يكون معتقداً له ، أو متديّناً به ، ولعلّه نوع من الاستدراج في البحث لإثبات خطئهم ، وسفه قولهم ، والتعرّف على ما عندهم.
هذا ، وقد أفرزت الروايات الواردة في ذمّه على خمسة أصناف ، وكلّها لا تقاوم ما ورد له عنهم عليهمالسلام من الأخبار المتواترة مدحاً ، وتجليل الأصحاب له طرّاً ، مع توثيقهم له ، وتجليلهم من غير خلاف يعرف منهم ، والأخبار الذامّة بمشهد منهم وبمنظر ، فمع تعارضها يلزم طرح تلك ، خصوصاً مع ملاحظة عدّة أُمور :
أوّلاً : ورود أخبار تقيّة كثيرة عنهم عليهمالسلام حفظاً لأصحابهم من جور الجائرين ، وكيد الحكّام الملحدين ، كما ورد في زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وغيرهما ، ولم يرتّبوا عليه الأثر ، لكون مفادها كالشبهة مقابل البديهة ، بل قد يظهر ذلك من بعض الروايات ، حيث قال ما قال عليهالسلام حفظاً له ولنفسه ، ولما وجد لذلك مجالاً لبيان الحقّ ، دافع عنه.
ثانياً : ما تعارف به يوم ذاك ـ بل في يومنا هذا ـ أنّ مع العجز عن القضاء على شخص العالم ، تحارب شخصيته بإيكال التهم عليه ، وقذفه بأنواع المفتريات والسباب لإسقاط شخصيته ، بل كانوا ينسبون الأفراد إلى الكفر والإلحاد بأدنى شيء ، ومنشأ ذلك غالباً الحسد من أصحابه ، أو الجهل بمقامه ، أو العجز عن ردّه