تسعة » (١) وعدّ منها ما لا يعلمون وقوله عليهالسلام : « الناس في سعة ما لم يعلموا » (٢) ونحو ذلك ممّا يتلى عليك ، فهو مدلول يستنبط تارة من الأدلّة العقليّة واخرى من الأدلّة الشرعيّة. فما صنعه بعض الأعلام (٣) من عدّه من الأدلّة العقليّة ليس على ما ينبغي.
كما يظهر أيضا أنّ الأصل هنا لا محمل له من المعاني الأربع الاصطلاحيّة إلاّ القاعدة ، فلا يصحّ أن يراد منه الراجح ، إذ ليس مبنى اعتباره في مجاريه على الرجحان والظهور ، بل هو على ما عرفت من كون موضوعه الشكّ بالمعنى الأعمّ من الظنّ الغير المعتبر يجري ويعتبر مع الظنّ بالخلاف أيضا.
فما قد يستشمّ من بعض كلمات بعض الأعلام من كون ذلك الأصل دليلا ظنّيا ليس على ما ينبغي.
ولا الدليل لما عرفت من البينونة التامّة بينه وبين الدليل ، نعم قد يطلق عليه الدليل فيقال له : الدليل الفقاهي ، وأنّه دليل تعليقي ، وأنّه دليل حيث لا دليل ، غير أنّه مجاز كما يفصح عنه أيضا التزام التقييد في هذه الموارد.
ولا الاستصحاب وإن احتمله بعض الأعلام ، وتبعه بعض من تأخّر عنه بإرادة استصحاب البراءة الأصليّة السابقة على زمن البلوغ ، أو على زمان تحقّق سبب الشكّ في التكليف ، لما عرفت من ضابط الفرق بينهما ، فإنّ الاستصحاب يعتبر فيه ملاحظة الحالة السابقة ، فإنّه عبارة عن الحكم ببقاء شيء وجودا أو عدما في الآن اللاحق تعويلا على ثبوته في الآن السابق ، ولا يعتبر ذلك في أصل البراءة سواء كان هناك حالة سابقة أو لا ، كما في خلق الساعة إذا شكّ في تكليفه بشيء ، مع أنّه يأباه تعدّد عنواني البحث عنهما ، بل يأباه أيضا تغايرهما بحسب الأدلّة ، لعدم جريان أدلّة هذا الباب في باب الاستصحاب ولا جريان أدلّة الاستصحاب هنا.
نعم لا نضائق أخذ الاستصحاب في بعض صور هذا الأصل مدركا له كما لا يخفى ، ولكنّه لا يوجب كونه بنفسه من الاستصحاب.
فتعيّن كونه عبارة عن القاعدة ، وهي القضيّة الكلّية المستنبطة من مجموع الأدلّة العقليّة والأدلّة الشرعيّة ، الّتي مضمونها الحكم على المكلّف بخلوّ ذمّته عن التكليف المشكوك فيه أو عن العقوبة والمؤاخذة المشكوك فيهما.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٢٩٥ ، باب جملة ممّا عفي عنه ، الحديث الأوّل. (٢) المستدرك ١٨ : ٢٠ ، الباب ١٢ من أبواب مقدّمات الحدود الحديث ٤ ، عوالي اللآلئ ١ : ٤٢٤. (٣) القوانين ٢ : ١٣.