إذا شككنا في قوله : « أكرم العلماء » مقرونا بمخصّص استثنائي مثلا في أنّ المخرج رجل واحد من الفقهاء مثلا أو رجلان ، فالعرف في نحوه يحكم بأولويّة الأقلّ بل العقل أيضا حاكم ، لأنّه القدر المتيقّن ممّا خرج من حكم العامّ.
وأمّا إذا لم يكن كذلك بل كانا متبائنين بأن لا يكون الأقلّ من جنس الأكثر كما إذا شككنا في المثال المذكور في أنّ المخرج هل هو الفقهاء الّذين هم ثلاثة رجال أو الحكماء الّذين هم رجلان أو أربعة رجال فلا أولويّة للأقلّ ، لعدم بناء العرف على الحكم بذلك ، ولعدم حكم العقل أيضا بل العقل حاكم بالوقوف ، وبناء العرف أيضا على التوقّف.
المبحث الثالث : في اشتراط التمسّك بالاستصحاب بالفحص عن الدليل الاجتهادي بل مطلق المعارض ، وظاهر من ذكره كونه شرطا للاعتبار ، ولكن الّذي يساعد عليه النظر كونه شرطا للجريان ، لا لما علّل به من أنّ المقتضي للفحص إنّما هو العلم الإجمالي بوجود معارضات لجملة كثيرة من الاستصحابات مع وقوع الاشتباه ، ولا مجرى للاستصحاب إلاّ أن يعلم خلوّه عن المعارض ، وهو لا يمكن عادة إلاّ بالفحص ، لأنّه إن تمّ يقضي بعدم الاعتبار لا بعدم الجريان ، بل لأنّ المعارض على تقدير وجوده في الواقع فلا يخلو عن كونه واردا على الاستصحاب أو حاكما عليه كما سبق تحقيقه في المبحث الثاني.
وأيّا ما كان فلا مجرى للاستصحاب معه ، وبهذا ظهر وجه الاشتراط ودليله وهو أنّ الاستصحاب لا يجري إلاّ في موضوعه ولا يحرز موضوعه إلاّ بفقد ما يرد عليه أو يحكم عليه ، ولا يحرز ذلك إلاّ بالفحص فيجب.
هذا مضافا إلى الإجماع محصّلا ومنقولا ، والأدلّة الدالّة على وجوب سؤال أهل الذكر والتفقّه في الدين ، وطلب العلم بالأحكام كتابا وسنّة ، نظرا إلى أنّ مورد هذه الأدلّة هو الجاهل ، والشاكّ في بقاء الحالة السابقة جاهل. ولكن هذا كلّه في الأحكام الّتي يسمّى اشتباهها شبهة حكميّة وأمّا الموضوعات كالعدالة والرطوبة ونحوها فقضيّة ما ذكرناه من تقرير الوجه الأوّل من أنّ الاستصحاب لا يجري إلاّ في موضوعه الّذي لا يحرز إلاّ بالفحص لزوم اعتباره فيها ، لما عرفت في المبحث السابق من أنّ في الأمارات والاصول التعبّديّة المعمولة في الموضوعات الخارجيّة أيضا ما يكون واردا أو حاكما على الاستصحاب فلا مجرى له مع وجوده ، ولكنّ الظاهر عدم وجوب الفحص فيها بدليل الإجماع محقّقا ومنقولا ، وعليه فحصل الفرق بين الاستصحاب في الشبهات الحكميّة