وأما الشيعة الامامية فقد ثبت أنهم خالفوا المعتزلة والخوارج ، وأجمعوا على عدم خروج مرتكب الكبيرة بكبيرته عن الإيمان ، وأن الشفاعة ثابتة له ، ويجوز أن يعفو الله تعالى عنه عقلاً وشرعاً ، ولهذا قالوا بأن الخلود في النار مختص بالكفار ، وأن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار ، مستندين في إثبات ذلك بأدلة شرعية واُخرى عقلية.
وأما الزيدية فقد كانوا مقلدين للمعتزلة في وعيد مرتكب الكبيرة ، فهم تبعاً للمعتزلة اعتبروه خارجاً من الايمان ، وجعلوه في منزلة بين منزلتي المؤمن والكافر ، وسمّاه قدماؤهم كافر نعمة ، أما متأخروهم فيسمونه بالفاسق ، وقالوا إن حسناته تحبط بالكبيرة التي ارتكبها إذا لم يتب عنها ، وإن العفو الالهي لا يحسن في حقه ، والشفاعة ليست للمذنبين والفساق ، وإن الآيات القرآنية التي دلت على المغفرة مقيدة بالتوبة ، وبناءً على ذلك أجمعوا على خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات من دون توبة ، مستندين في إثبات ماذهبوا اليه بأدلة مماثلة لأدلة المعتزلة في هذا الموضوع.
وأما الإسماعيلية فإنهم لم يبحثوا عن وعيد مرتكب الكبيرة بهذا العنوان ، بل بحثوا عنه بعنوان الموالين للأئمة وغير الموالين ، وجعلوا المعيار للخلود في النار يدور مدار الولاية وحده ، بحيث أن الولاية عندهم جزء من الايمان وركن من أركان الدين بل هو الأساس في قبول طاعة الله وطاعة رسوله ، ولهذا أجمعوا بأن المذنبين والعاصين وهم المخالفون للأئمة والمنكرون لهم يعتبرون في عداد الكفار والمشركين ، فلا يقبل منهم طاعة أو عمل ، ولا يشملهم شفاعة الائمة ولا العفو الالهي ، وبالنتيجة فهم مخلدون في النار إلى الأبد. أما الموالون للأئمة فالمذنبون منهم يقعون مورداً للشفاعة والعفو الالهي ، فلا يدخلون النار ولا يخلدون فيها. فالاسماعيلية يذهبون إلى مذهب الخوارج في اعتبار المذنبين كفاراً أو مشركين ، ويذهبون إلى مذهب المعتزلة والزيدية والخوارج في كون من يدخل النار لا يخرج منها أبداً.