ويفهم من عبارة ابن طفيل هذه أن النفوس الجاهلة من أهل النجاة ، لعدم تألمهم لفقدان وعدم إدراك واجب الوجود ، وذلك لعدم معرفتهم بوجوده.
ويقول عن النفوس الشقية : وإما أن يكون قبل ذلك ـ في مدة تصريفه للبدن ـ قد تعرف بهذا الموجود ، وعلم ما هو عليه من الكمال والعظمة والسلطان والقدرة والحسن ، إلّا أنه أعرض عنه واتبع هواه حتى وافته منيته ، وهو على تلك الحال ، فيحرم المشاهدة وعنده الشوق اليها ، فيبقى في عذاب طويل وآلام لا نهاية لها ، فإما أن يتخلص من الآلام بعد جهد طويل ، ويشاهد ما تشوق اليه قبل ذلك ، وإما أن يبقى في آلامه بقاءً سرمدياً بحسب استعداده لكل واحد من الوجهين في حياته الجسمانية.
ابن طفيل في هذه العبارة تبع الشارع في تقسيمه النفوس الشقية إلى أشقياء يتخلصون من العذاب ويلحقون بالسعداء بعد عذاب طويل ، وأشقياء لا نجاة لهم من العذاب فيخلدون فيه إلى الأبد ، وخلود العذاب وانقطاعه يكون بحسب استعداد كل نفس لما كسبته من الهيئات الردية ورسوخ هذه الهيئات وعدم رسوخها.
وبالنسبة إلى النفوس السعيدة يقول ابن طفيل : وأما من تعرّف بهذا الموجود الواجب الوجود قبل أن يفارق البدن وأقبل بكليته عليه والتزم الفكرة في جلاله وحسنه وبهائه ولم يعرض عنه حتى وافته منيته ، وهذا على حال من الاقبال والمشاهدة بالفعل ، فهذا إذا فارق البدن بقي في لذة لا نهاية لها وغبطة وسرور وفرح دائم ، لاتصال مشاهدته لذلك الموجود الواجب الوجود ، وسلامة تلك المشاهدة من الكدر والشوائب ، ويزول ما تقتضيه هذه القوى الجسمانية من الأمور الحسية التي هي ـ بالإضافة إلى تلك الحال ـ آلام وشرور وعوائق. ١
________________
١. ابن طفيل ، حي بن يقظان ، ص ٦٧ ، ٦٨.