ككونها قبلها إلا أنها زال عنها مانع الألم ، فتتألم وليست منطبعة ، بل لها علاقة شوقية إذا لم يحصل لها ملكة الاتصال بالعقل الفعال ، وقد حيل بينها وبين ما تشتهي فتتألهم بجهلها المركب ، والجهل المركب هو عدم العلم بالحق مع اعتقاد نقيضه ( وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) فتبقى مقهورة مخذولة مالها من شفيع ولا حميم في نار روحانية أشد من نار جسمانية ، والجهل المركب هو الذي لا يرجى فيه النجاة بل يتأبد ، وما كان بسبب عوارض فيزول. ١
فالشيخ السهروردي يصف النفوس التي اكتسبت هيئات وملكات نفسانية ردية بحيث تمكنت من أنفسهم ، وأصبحت هذه الهيئات والملكات جزءاً من جوهر النفس يصفهم بالجهل المركب ، لأن هذه النفوس لم تعتقد بأن اللذة والكمال هي في التشبه بالمادي والتجرد عن المادة ، بل اعتقدت بنقيض ذلك ، أي اعتقدت بأن كمالها ولذتها هو في الانغماس وانشغال بالمادة والماديات ، وكذلك خرجوا عن حد العدالة في القوة الشهوية والغضبية ، وفي استعمال القوة العملية فيما يدبر به الحياة وما لا يدبر ، ونتيجة لذلك استحقوا الخلود في العذاب الأبدي ، فلا ترجى لهم النجاة.
أما الذين اكتسبوا هيئات وملكات ردية ولكنها ما تمكنت من أنفسهم وليس لديهم جهل مركب ، بل لديهم علم بالمبادىء والعقول ، ولكنهم تركوا الجانب العملي من النفس أو أفرطوا فيها ، ولذا فهو يقول عنهم في رسالة ( پرتونامه ) : أما أولئك الذين لديهم علم ، ولكن لم يقوموا بالاصلاح الاخلاقي ، فيجدون عذاباً شديداً بحيث علمهم يسحبهم إلى عالم النور والملأ الأعلى ، وفسقهم يسحبهم إلى الظلمات وأسفل السافلين ، هؤلاء يبقون مدة في
________________
١. سهروردي ، مجموعة مصنفات شيخ إشراق ، التلويحات ، ص ٨٨ ، ٨٩.