في منزلة بين منزلتين ، فأدى الخلاف في هذه المسألة إلى انفصال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد عن الحسن الصري ، وشكّلوا النواة الأولى لمذهب الاعتزال. ١
قال أبو زهرة : وقد وجد في عهد علي كرم الله وجهه الجدل في مسألة أخرى غير مسألة القدر ، وهي مسألة ( مرتكب الكبيرة ) فإن الجدل في هذه المسألة أثاره الخوارج بعد التحكيم ، إذ حكموا بكفر من رضي بالتحكيم باعتباره كبيرة في نظرهم ، وكفروا علياً (رض) كما كفروا من معه ، وقد جرّ هذا إلى المناقشة في شأن مرتكب الكبيرة أهو مؤمن أو غير مؤمن ؟ وأهو مخلد في النار يوم القيامة أم يرجى له الغفران ؟ وإن رحمة الله وسعت كل شيء ، وأخذ الجدل فيها ينمو ويزيد حتى اختلف العلماء في ذلك اختلافاً كبيراً ، ويعد بعض العلماء هذه المسألة رأس المسائل التي عنوا بها حتى كانت السبب في تسميتهم المعتزلة. ٢
ولكن كل تلك الأحداث كانت لصالح فكرة الخلود في جهنم وتأكيد عليها ، وقد استمرت تلك الحالة بين المتكلمين والمفسرين فيما بعد ، حيث كانوا متفقين في مسألة الخلود في جهنم ، ولم يكن ثمة من يعارض فكرة الخلود في النار حتى القرن السابع الهجري ، ففي هذا القرن برزت آراء معارضة للقول بالخلود في النار من قبل ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم الجوزية ، فذهبوا إلى القول بفناء النار وانقطاع عذاب أهلها.
وأما بالنسبة إلى العرفاء ، فالمشهور أن أول من خالف الخلود في العذاب هو محي الدين ابن عربي ( ٥٦٠ ـ ٦٨٣ ه ) مستدلاً على انقطاع العذاب من أهل النار مع أنه القائل بخلودهم في جهنم ، وتابعه على هذا القول أكثر من تأخر عنه من العرفاء.
________________
١. راجع : هاشم معروف الحسنى ، الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة ، ص ٢٢٤ ، ٢٢٥ ؛ فضل الله الزنجاني ، تاريخ علم الكلام في الاسلام ، ص ١١٦.
٢. محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الاسلامية ، ج ١ ، ص ١٠٢.