وحديثه وحركاته وسكناته كما تحكي المرآة الطالع فيها ، بل كان مجمع المحامد والسجايا النفسانيّة النبويّة والإماميّة ، كما كان موئل الفقه والعصمة ومبائة الأدب والشجاعة ، وكان كبد الحسين وهو كبد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وقد تعلّق بولده تعلّقاً لا نظير له ، وكان يسرّه أن يكون ولده مرآة جدّه من الفرق إلى أخمص القدم ، فتظهر عليه ملامح الجمال النبوي وآيات الرسالة.
في مدينة المعاجز للسيّد هاشم البحراني ، وضياء العالمين وذخيرة الدارين ونفس المهموم وغيرها عن زفر بن يحيى عن كثير بن شاذان قال : شهدت الحسين بن عليّ عليهماالسلام وقد اشتهى عليه ابنه عليّ الأكبر عنباً في غير أوانه ، فضرب بيده إلى سارية المسجد فأخرج له عنباً وموزاً فأطعمه ، فقال : ما عند الله لأوليائه أكثر (١).
وروى أبو مخنف عن عقبة بن سمعان قال : لمّا كان آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا. قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين عليهالسلام برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين. قال : ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً ، قال : فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين عليهالسلام على فرس له ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، يا أبت جعلت فداك ممّ حمدت الله واسترجعت ؟ قال : يا بني ، إنّي خفقت برأسي خفقة فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا ، قال : يا أبت ، لا أراك الله سوءاً ، ألسنا على الحقّ ؟ قال : بلى والذي إليه مرجع العباد ، قال : يا أبت ، إذاً لا نبالي نموت محقّين ، فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده ... (٢).
__________________
(١) مدينة المعاجز ، ج ٣ ص ٤٥٣ ، الدرّ النظيم ، ص ٥٣١ ، الطبري الشيعي ، دلائل الإمامة ، ص ١٨٣.
(٢) أبو مخنف ، مقتل الحسين ، ص ٩٢.