وعلى كلّ حال ، فقد ودّع أهل بيته واستقبل ميدان القتال ، وفي هذه الأثناء تحادرت دموع الحسين عليهالسلام على خدّيه البدريّين وقبض على لحيته الكريمة ورفع رأسه إلى السماء وقال : اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم الجفاة الذين ضيّقوا علينا المسالك فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً وسيرة بجدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، اللهمّ كنت إذا اشتقت إلى جدّي نظرت إليه. ثم نظر إلى ابن سعد لعنه الله وعيونه جارية وصاح به : قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم ترع قرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأسأل الله أن يزيل منك البركة ويسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، ويفصل رأسك عن بدنك. ويريد الإمام بهذا القول أنّنا قرشيّان فقطعت ما بيني وبينك من الرحم ، قطع الله منك رحمك (١) ، وكان ابن سعد يدرك ذلك فقد قال بعد رجوعه من كربلاء ولقياه الأوّل مع ابن زياد : إنّي قطعت رحمي ووصلت خصمي وخالفت ربّي ... الخ.
ومجمل القول أنّ الإمام الحسين قال للقوم : اللهمّ أمنعهم بركاتك ، وفرّقهم طرائق قدداً ، واهتك أستارهم ، وفرّق جمعهم ، وسلّط عليهم ولاتهم ، وعادهم وأمقتهم فإنّهم طغاة عتات فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقتلوننا ..
يكلّ البيان ويعجز اللسان ويضيق القلم عن بيان هذا المشهد الذي كان عليه
__________________
= نظرنا إليه. ثمّ صاح : يابن سعد ، قطع الله رحمك ولا بارك الله لك في أمرك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله ، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، فرفع يديه إلى السماء وقال : اللهمّ أمنعهم بركات الأرض ، وفرّقهم تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً واجعلهم طرائق قدداً ، ولا تُرض الولاة عنهم أبداً فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا ، ثمّ رفع صوته وتلا هذه الآية : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ). (منه رحمهالله) الدمعة الساكبة ، ج ٤ ص ٣٢٩ و ٣٣٠ باختلاف يسير.
(١) الذي أراه أنّ الإمام يدعو عليه بهلاك أهله كما قتل أهل الحسين من إخوان وأولاد وأبناء إخوان وأعمام ، وهذا معنى « كما قطعت رحمي » والله أعلم.