فلم يزل يقاتل حتّى قتل تمام المأتين.
وذكر في روضة الصفا أنّ عليّاً الأكبر عليهالسلام هاجم القوم اثني عشر مرّة.
وقال أبو الفرج : يكرّ كرّة بعد كرّة (١).
وعن حميد بن مسلم أنّه قال : كنت في العسكر وكان إلى جانبي مرّة بن منقذ العبدي ، وعليّ بن الحسين يكرّ على الميمنة والميسرة ، والناس تفرّ من بين يديه ، فقال : عليّ آثام العرب لئن مرّ بي هذا الغلام لأوثكلنّ به أُمّه ، فقلت له : ما لك وله ؟! يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه ، فقال : لأفعلنّ ، وبينما نحن كذلك إذ مرّ بنا يطرد الناس أمامه كالجراد المنتشر.
يرمي الكتائب والفلا غصّت بهم |
|
في مثلها من بأسه المتوقّد |
فيردّها قسراً على أعقابها |
|
في بأس عرّيس العرينة ملبد |
لفّ الوغى وأجالها جول الرحى |
|
بمثقّف من بأسه ومهنّد |
وكأنّ عليّاً الأكبر نسي واقع الحرب وكأنّه جدّه أمير المؤمنين مقبل على القتال ووجهه إلى وجوه العدوّ ، يقتل يبري يبقر يرمي إلى الأرض إذ خرج عليه مرّة بن منقذ من مكمنه فضربه من الخلف على مفرق رأسه فلم يستطع سلالة حيدرة الكرّار الثبات على الفرس فاعنق جواده العقاب ودخل في وسط العدوّ فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً ، وكان الحسين عليهالسلام مقسّم الطرف ينظر إلى ميدان القتال على غير قرار ، ويخطو في الخيمة فيخرج إلى الفضاء المترامي يصيخ السمع لعلّه يسمع صوت فتاه ، وتنطلق الآهة من فؤاده فتضغط على حلقومه ، واستبدّت به عواطف الأبوّة ، وتارة يغري العقيلة التي لا تهدأ طرفة عين وهو لا يريد أن يظهر عليه أثر القلق الذي تحكم في توازن أحواله.
__________________
(١) مقتل الطالبيّين ، ص ٧٧. وجعل يكرّ كرّة بعد كرّة .. الخ.