وبينما هو على هذه الأمواج المضطربة يركب موجة ويترجّل من أُخرى وإذا بصوت عليّ الأكبر يصكّ مسامعه وهو يقول : يا أبتاه ، عليك منّي السلام ، هذا جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : العجل العجل فإنّ لك كأساً مذخورة حتّى تشربها الساعة (١).
وبالطبع لم يقل على ذلك إلّا لتسلية أبيه ثمّ بشّر أباه أنّ جدّه قد أعدّ له كأساً ستشربه قريباً ، فلمّا سمع الحسين صوت ولده انقضّ كما ينقضّ الأجدل وأقبل على ولده.
وذكر بعضهم أنّ الحسين عليهالسلام صاح سبع صيحات مصحوبة بالبكاء وكان لم يسمع له صوت بالبكاء إلى أن قتل ولده ، ولماذا لا يفعل ذلك وهو يرى أمانيّه وغرر أحلامه التي اجتمعت في هذا الولد مضرّجة بالدم أمام عينيه ، فوضع رأس عليّ في حجره وأسنده إلى صدره فحمي حزنه ونصب وجهه أمام وجه عليّ وقال : أمّا أنت يا بنيّ فقد استرحت من همّ الدنيا وغمّها وبقي أبوك لهمّها
__________________
(١) وفي مقتل أبي مخنف : فانجدل صريعاً إلى الأرض واستوى جالساً وهو ينادي يا أبتاه ، عليك منّي السلام ، فهذا جدّي رسول الله وأمير المؤمنين وهذه جدّتي فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى وهم يقولون لك : العجل العجل وهم مشتاقون إليك ، ثمّ قضى نحبه فجاء الحسين حتّى وقف عليه ووضع خدّه على خدّه وجعل يقول : قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الرحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، وهملت عيناه بالدموع حزناً لمصابه.
وفي المنتخب : روي أنّه لمّا قتل عليّ بن الحسين أقبل عليه الحسين وعليه جبّة خزّ دكناء وعمامة موردة وقد أرخى لها طرفيها فقال مخاطباً له : أمّا أنت يا بني فقد استرحت من همّ الدنيا وغمّها وما أسرع اللحوق بك.
وفي روضة الصفا : رفع الحسين صوته بالبكاء ولم يسمع أحد إلى ذلك الزمان صوته بالبكاء.
وفي مقاتل الطالبيّين : وجعل عليّ بن الحسين عليهالسلام يكرّ كرّة بعد كرّة حتّى رمي بسهم فوقع في حلقه فخرقه وأقبل يتقلّب في دمه حتّى نادى : يا أبتاه ، عليك منّي السلام. (منه رحمهالله)