أعيت فرسي ونفقت وجئتك تعباً جائعاً ظمآن ، لم يبق من نفسي إلّا رمق أو رمقان حتّى أوصلت نفسي إليك.
فقالت العجوز : اتّق الله يا رجل ولا تؤذي ذرّيّة رسول الله صلىاللهعليهوآله فإنّ النبيّ خصمك يوم القيامة.
فقال : من يقدر على تضييع الجائزة والتفريط بألفي دينار. فقالت : ما أهونها ، ولو أُعطيت الدنيا برمّتها ما كنت صانعاً بها ، فكان قولها للرجل كالماء في الغربال أو الريح في الشباك لم يؤثّر فيه أبداً ، ثمّ قال لها : ما لي أراك تناصرتيهما فكأنّك على علم بمكانهما ، قومي معي إلى عبيدالله لأنّه يطلبك.
فقالت المرأة : أما تخشى الله أو تستحي منه ، ما أنا وعبيدالله بن زياد ؟ وهل أنا إلّا عجوز طاعنة في السنّ ، قضيت عمري في هذه القفار الموحشة.
فقال الحارث : إذن قومي واصنعي لي طعاماً لكي أتعشّى وأنام ، فإذا أصبحنا جدّدت الطلب ، فقامت العجوز متهالكة حتّى أحضرت له طعامه فأكل ثمّ أخلد إلى الوسادة ونام ولكن ولدي مسلم استيقظ محمّد وهو الأصغر ونادى إبراهيم أخاه : لا تنم يا أخي فإنّنا قتيلان لأنّي رأيت الساعة في نومي رسول الله وعليّاً المرتضى وفاطمة الزهراء والحسنين وهم يمرّون إلى الجنّة فرآنا رسول الله على بعد فأقبل على أبينا مسلم وقال : كيف أطاعك قلبك على ترك هذه الطفلين عند العدوّ وأتيتنا ؟ فقال مسلم : سيلحقان بنا قريباً وغداً يكونان معنا. فقال إبراهيم : والله لقد رأيت ما رأيت بلا زيادة ولا نقصان ، فتركا العناق وأقبلا يبكيان. فأيقظ لبكائهما الحارث ورفع رأسه من الوسادة ونادى العجوز : ما هذا العويل في بيتنا ؟ فقالت : بل هو عند جيراننا.
فاعترى الحارث الشكّ وطلب منها الضوء ، فماطلته ، وقام
الخبيث ووضع يده على الجدار وسار هكذا حتّى بلغ مكانهما وسألهما : من تكونان ؟ فقالا له : وأنت