ودلّهما على الطريق وقال لهما : يا نور عينيّ إنّ لكم عدوّاً كثيراً فلا تأمنوهم ، فسيرا في الليل واكمنا في النهار حتّى يفرّج الله عنكما.
فعمد الطفلان إلى الطريق وسارا فيه حتّى بلغا منزل امرأة عجوز وإذا بالعجوز واقفة على باب بيتها ، ففرحا برؤيتها لما نالهما من التعب والنصب ، فاقتربا منها وقالا لها : نحن طفلان غريبان لا نهتدي الطريق ، فهل لك في أجر وثواب تؤوينا هذه الليلة عندك فإذا أصبحنا خرجنا ؟ فقالت : يا نور عيني من تكونان ؟ فلقد شممت عطركما فما شممت عطراً مثله ؟ فقالا : نحن عترة رسول الله صلىاللهعليهوآله هربنا من سجن ابن زياد ، فقالت امرأة : يا نور عيني إنّ لي صهراً خبيثاً فاسقاً وكان قد حضر واقعة كربلاء وأخشى أن يغشى بيتي هذه الليلة ويراكما عندي ويؤذيكما ، فقالا : الليل مظلم وقد أظلّنا ولعلّه لا يأتي هذه الليلة ونحن خارجان عند الصبح من هنا ، فأنزلتهما في بيتها وأطعمتهما فأكلا الطعام واضطجعا في بيتها.
وفي رواية أُخرى أنّهما قالا : لا حاجة لنا بالطعام ونريد الصلاة ونقضي منها ما فات ، ثمّ صلّيا وبعد ذلك رقدا في مكان أعدته لهما العجوز ، فقال الأصغر لأخيه الأكبر : أيّها الأخ ، لعلّ هذه الليلة هي ليلة الراحة لنا ، وليلة الأمن والدعة ، فهلمّ للعناق وليشمّ أحدنا طيب الآخر قبل أن يفرق بيننا الموت ، فاعتنقا. فلمّا مضى هزيع من الليل وإذا بصهر العجوز قد أقبل إلى بيتها.
وفي رواية حسين الكاشفي في روضة الشهداء (١) : إنّ زوج هذه المرأة طرق الباب بشدّة ، فقالت له المرأة : أين كنت في هذا الوقت من الليل ؟ فقال لها : أعياني الكلال ، فلقد هرب من سجن ابن زياد ولدان لمسلم ونادى منادي ابن زياد : من جاء بهما فله ألفا دينار ذهباً جائزة ، وأنا اليوم فليت الصحراء أبحث عنهما حتّى
__________________
(١) في كلّ واد أثر من ثعلبة ، لن تجد هذه العجائب إلّا عند هذا الوضّاع الكاذب. (المترجم)