في طفولتي السعيدة بهما لشيوختي القاحلة ، وكان الكتاب من كتب الشيخ ذبيح الله المحلّاتي عن الحجاب وقد صدر حديثاً وطار به الحاج المذكور إلى الوالد فكانا يخرجان إلى الحقل وأنا بصحبتهما وهناك حيث الطبيعة الجذلى والخضرة والماء يتمّان قرائته وقرائة ما عداه من الكتب الغنيّة بالمحتوى الشهي الدسم.
ومن يؤمئذٍ أكبرت هذا العالم المظلوم المحلّاتي ممّا رأيت من آيات الإعجاب الواضحة على جبين الوالد رحمهالله به ، يزجيها في نفسه أخوه في الله « دشت بزرك » للكتاب وصاحبه.
ولم يقتصرا على هذا الكتاب من كتبه ، بل كان الحاجّ موسى يتحف الوالد بكلّ علق نفيس من كنوز قلمه وأنا في بواكير تعلّمي أحضر على والدي مبادي العلوم الأُولى ، فأقفو أثرهما كلّما قرءا كتاباً أو أشارا إليه ، ومن هذه البداية وأنا بزغب الفراخ حتّى نبت الريش والخوافي والقوادم وتعلّمت كيف أطير فأحلّ ضيفاً على أدواحه فأنحوها مختاراً وأحتلّ منها ما بسقت أغصانه وتكاثفت أوراقه وتهدّل جناه ، حتّى ألفت الطلوع إلى عذباتها السامقة ، وكانت روضة العالم المحلّاتي وطن هذا الطائر الصغير المفضّل ، وقرأت له كتباً ، وأحياناً بعضاً منها إلّا أنّها قرائة شابّ ، معزول بأمانيه الطريّة وأحلامه والعريضة عن عالم كبير في مستواه يريد إثراء المكتبتين العربيّة والفارسيّة بصدق وإخلاص وما كانت غايته رحمهالله إلّا الخدمة الحقّة.
وكان في مقدوره أن يبذّ أقرانه ويغزوهم من حيث كانت نفوسهم تنازعهم إليه ولكنّه بقي يتألّق في أفق التأليف والكتابة ، ويلمع في فلك الثقافة عازفاً عن بريق الأسماء التي تغشي أبصارهم.
وممّا وقف بالشيخ عند هذا الأُفق المجدّد مع اتّساع مداه
لأكثر ممّا قنع به ، أنّ عصره عصر الإنصاف والوعي بل عصر الاتّزان ، فقد أقام موازين القسط للرجال