وهؤلاء قومك لا يعرفون سوى المحراث والمسحاة والزرع وآلاته ولا شيء وراء ذلك فكيف بلغت هذه المنزلة من الثقافة بحيث لا يرى الإمام الأكبر والمرجع الأعلى سيّدنا آية الله العظمى السيّد البهبهاني قدّس الله سرّه الشريف وهو من هو في العلم والورع والتقوى ، الأُنس إلّا في بيتك والراحة والاستجمام إلّا عندك.
قال : أُحدّثك حديثاً عجباً عن شغفي بالعلم وأنا أعمل في الزراعة ، فما تعلّمت على أُستاذ قطّ ، اللّهمّ إلّا شيئاً أخذته من أبيك وجدّك ، ولو رأيتني لعجبت ممّا أصنع ؛ فقد كنت أعمل ومقبض المحراث بيدي والثور أمامي ولقمة الخبز وهي طعامي وأدامي في محزمي ، والكتاب في يدي الأُخرى ، أرفع صوتي تارة بحروفه أُردّدها ، وتارة أزجر الثور بها ليستقيم في الحرث ، وهكذا تقلّبت مع الظروف حلوة وما أقلّها ومرّة حتّى استوت لي القرائة والكتابة ، ووجّه بقيّة خطواتي نحو الفهم والثقافة أبوك.
كان الحاج موسى فارسي الجذم ولكنّه أكثر عروبة من كلّ
عربيّ ، يتحف والدي بالكتب الفارسيّة الثمينة وإليه يعود الفضل في أُنسنا بالفارسيّة وحبّنا لها
ومعرفتنا بها لأنّه أوقفنا على كنوزها الدفينة وأسرارها الثمينة ، وذات يوم وأنا أغدو وأروح بين أيديهما وأنصت لما يقولانه ، وبين يدي الحاج موسى دشت بزرگ رحمهالله
كتاب فارسي يقرأ فيه لأبي عن الحجاب ، وكان السفور يومها على أشدّه عندنا هنا في الأهواز على عهد أُسرة « بهلوي » وكان الحاج إذا قرأ في كتاب حرّك أصابعه رافعاً يده إلى أعلى وهذه الحركة تتكيّف بمقاطع الفقرات وأطوال الجمل فتكون عندي أحلى تعبيراً من الألفاظ وأحسن دلالة على جمال المعنى من اللفظ نفسه وأكثر بداعة من الأُسلوب وبلاغة من المعنى يمزجها بغنّة غير متكلّفة ، ذات طلاوة تخترق شغاف القلب ، ناهيك بالبسمات العذاب التي يتبادلها مع الوالد الدالّة على انشراح صدريهما بما يقرآن وأنا أستقي من هذين النبعين الثرين وأكنز