إنّ هذا برير بن حضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد (فلم يعبأ بقولي) فحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره ، فلمّا وجد مسّ الرمح برك عليه فعضّ بوجهه وقطع طرف أنفه فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عنه وقد غيّب السنان في ظهره ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله.
قال عفيف : كأنّي أنظر إلى العبدي الصريع قام ينفض التراب عن قبائه ويقول : أنعمت عليَّ يا أخا الأزد نعمة لن أنساها أبداً. قال : فقلت : أنت رأيت هذا ؟ قال : نعم رأى عيني وسمع أُذني.
فلمّا رجع كعب بن جابر قالت له [ امرأته ] أو أُخته النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد القرّاء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر لا أُكلّمك من رأسي كلمة أبداً ، وقال كعب بن جابر (هذا الشعر يعتذر عمّا فعله إليها) :
سلي تخبري عنّي وأنت ذميمة |
|
غداة حسين والرماح شوارع |
ألم آت أقصى ما كرهت ولم يخل |
|
عليَّ غداة الروع ما أنا صانع |
معي يزنيٌّ لم تخنه كعوبه |
|
وأبيض مخشوب الغرارين قاطع |
فجرّدته في عصبة ليس دينهم |
|
بديني وإنّي يابن حرب لقانع |
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم |
|
ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع |
أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى |
|
ألا كلّ من يحمي الذمار مقارع |
وقد صبروا للطعن والضرب حُسّراً |
|
وقد نازلوا لو أنّ ذلك نافع |
فأبلغ عبيدالله إمّا لقيته |
|
بأنّي مطيع للخليفة سامع |
قتلت بريراً ثمّ حمّلت نعمة |
|
إلى منقذ لمّا دعى من يماصع (١) |
__________________
(١) أبو مخنف ، مقتل الحسين ، والأبيات الثلاثة الأخيرة من إضافات المؤلف وقد تخلّل الرواية كلام للمؤلّف شاعري قليل جدّاً أعرضنا عنه (ص ١٢٨).