في الجامعات والمجامع العلميّة ، فشمّرت عن ساعد الجدِّ ، وأخذت في تحقيق المؤلّفات واستخرجتها من كنوزها ؛ فأخذت بالشرح والتحقيق والإبانة والمقارنة والفحص ، وغاصت أقلام المحققين في الأغوار فاستخرجت الدُّرر النّفائس. وقد اهتبلت الفرصة كلُّ مؤسسة ناشرة محبّة في العلم أو راغبة في الثراء ؛ حيث النّفوس فيها طموح للعلم وعشق للارتشاف من معين المعارف ونميرها الصافي. والنّجف الأشرف ـ سيّدة المدن الإسلاميّة في البحث والنظر والتدريس والتأليف منذ أنْ أسّسها الشيخ الطوسي (رض) في القرن الخامس الهجري ـ تعجُّ منتدياتها بعلماء أماثل سطعوا كواكباً في دياجير الظلم ، وشموساً باهرة في الأزمنة التي أعقبت عصور أئمّتنا (عليهم السّلام) ، ولمْ ينكصوا عن مواصلة المسيرة ، ولمْ يلقوا الأقلام التي جردوها لأزاحة الشبهات ، ولا تخلّوا عن المنابر ؛ فالمساجد الشريفة تعجُّ بوجوه نيِّرة من المشايخ ، وتحفل بعقول لمّاحةِ الخواطر ، وأذهانٍ وقّادة الإشعاع ، وقرائحٍ عذبة الموارد ؛ ولذا نجد النجف لمْ تبرحها الزعامة والرئاسة ، فهي مَوئل أهل العلم والشادّين به ومباءة أهل الفضل. أتظنّ أنّ رئاسة التدريس ومكانتها في الفُتيا تفارقها وتبارحها ، واشعاعاتُ سيّد العارفين وإمام المتّقين أميرِ المؤمنين (عليه السّلام) تغمر الكون الإسلامي؟ والقبسات من حِكَمه وأحكامه تعمر القلوب وتغمرها ، وتملأ الأفئدة وتفعمها ، كلّ ذلك من أنفاس سيّد الحكماء (عليه السّلام)؟.
ج ـ وفي بحر هذه الأمواج من الفيوضات العلمية الزاخرة نشأ وعاش سيّدنا (المترجَم له) ، فحزَّ في نفسه أن يجد أخبار أهل البيت (عليهم السّلام) مطموسةَ المعالم في كثير من الجوانب ، وآلمه ان لا تعنى الأقلام باستجلاء حياتهم واستبطان مكنونات مآثرهم وفواضلهم. ألا تكفي المكتبة الإسلامية هذه الاُلوف المؤلفة والمجاميع المصنَّفة في الفقه والاُصول ، ويبقى نضال سادات الورى مطموساً ، يغلب عليه التضليل والتمويه والتحريف من الأقلام المعادية التي انصرفت في العهود التي ما هادنتهم ولا ركنت إلى موادعتهم ؛ فشنّت عليهم حروباً شنيعة فظيعة من البهتان والإفك في تزوير الحقائق!؟ وكيف لا تكون كذلك والسلطة غاشمة ، وولاة الاُمور في أزمانهم ينفسون عليهم ويكيدون لهم ؛ فجاءت الأراجيف والأباطيل ، وانتشر المتملقون للحكّام القائمين آنذاك بالاُمور.