وسيّدنا (المترجَم له) بخبرته الواسعة بهؤلاء الرواة الكاذبين ، وأسماء الشخصيّات المفتعلة ، وجد من حق الأئمّة (عليهم السّلام) عليه أن يصرف جهده ، ويبذل نشاطه في أن يحقق ويدرس تعاليمهم التي انهيت إلينا ، وأن يجيل النظر في كثير من الاخبار المرتبكة المروية عنهم ، وبيان سبب ذلك الارتباك في الاخبار ومؤدّى مضامينها ، كلُ ذلك بالمقارنة والاستنباط والنفاذ إلى دقائق الاحكام.
لكنه وجد التأليف أحقّ بأن يقصر في بيان احوالهم وتراجمهم. أليس ظلماً لهم منا ونحن نملك القلم ولدينا المعرفة وتتوفر بين ايدينا كلّ أسباب البحث والدراسة ؛ أن نتقاعس عن ذلك ولا نكشف ما ران على أخبارهم من شبهات؟ واذا كان الاُمويون والزبيريون والعباسيون شنّوا عليهم حروباً شعواء في إخفات اشعاعاتهم ، وطمس معالمهم ، واستخدموا مَن يواليهم ويناصرهم ، أفلا يتوجب علينا أن نوجّه الهمم ، والنشاط لمواصلة الأشواط التي ساروا عليها؟ وبالأحرى أن نؤلف في حقّهم ، فنناصرهم ونعضدهم في نضالهم وكفاحهم ، وبيان حقائقهم الناصعة التي رانت عليها ترهات الاباطيل. ألمْ يكتفِ علماؤنا من الخوض في مسائل فقهيّة واُصولية ، وكلاميّة وفلسفيّة أمضينا عليها قروناً وقروناً ، فلمْ يبقَ مجال لقائل أو بيان لمجادل ومناظر؟ إنّ حقَّهم علينا أنْ نكتب فيهم ، وندرس نهضاتهم ، ونستجلي غوامض أقوالهم ، وندفع ما اُلصق بهم وبطرائقهم من الريب. وكان ـ رحمه الله ـ يجد من العبث أن يبذل المؤلّف جهده ، ويفني نفسه في فروع من اُمور العلم الحديث أو القديم ، ولا يخصّص شيئاً من هذا الجهد وذلك الإضناء في دراسة شخصيّاتهم ، وشخصيّات ذراريهم والمشايعين لهم الذين ركبوا أعواد المشانق ، واُلقي بهم في السجون وشُرّدوا في الآفاق ، فلاقوا الحتوف ثابتين على المبدء السامي ودينهم الحنيف. هذا ماحرّره في مقدّمة شرحه لقصيدة الشيخ حسن ابن الشيخ كاظم سبتي رحمه الله ، المسمّاة (الكلم الطيّب) (١) ، وهو أول ما بدأ في كتابته ، قال : لذلك كان الواجب بعد الاُصول الاعتقاديّة ، النظر في فضائلهم ومناقبهم وأحوالهم ؛ قياماً بواجب حقّهم من جهة ، ولنقتدي ونتبع أقوالهم من جهة اُخرى ... الخ.
__________________
(١) مخطوط : ديباجة الشرح.