والواجب عليهم النّهوض لقطع اليد العادية.
فكانت تلكم الثورات المتتابعة باعثة إلى الأفئدة دواعي تحفّزها إلى تحرّي الرشد حتّى تقف على صراح الحقيقة.
كانت الاُمّة تعتقد أنّه ليس من المستطاع النّهوض في وجه المستحوذين على أمر الاُمّة وإمرة المسلمين لقوّة سلطانهم ، وإنّ القيام أمام السّلطة القاسية لا يعقب إلا فشلا ، بل إنّ المحظور في الشريعة القاء النّفس في التهلكة من غير ما جدوى هنالك.
لكن سيّد الإباء والحميّة وسيّد شباب أهل الجنة أوحى إلى الملأ الدِّيني بصرخته في مشهد الطفّ التي لم يزل دويّ صداها في مسامع القرون والأجيال : إنّ الواجب في الشريعة الثورة أمام كلّ باطل ، إذا لمْ يكن ما يدحره غيرها.
وإنّ في مستوى اليقين بلوغ الغاية المتوخّاة لِمَن يجعل طلب الحق عنوان نهضته ، فإنّه إمّا أنْ يفوز النّاهض بالظفر أو مَن يتلوه في نهضته حتّى تتجسّد الأماني بالفتح المبين.
وهذا ما نراه من تعاقب النّهضات تجاه عبث الاُمويِّين بالشريعة المطهّرة ، فكانت دعوة المختار هي ثارات لآل محمّد.
وقام زيد بن علي بن الحسين (ع) وولده يحيى داعيَين إلى الرضا من آل محمّد ، وأظهر بقيّة الهاشميِّين التذمّر من خلفاء الجَور ووثبوا لسدّ سَيل الضلال الجارف.
وإنّ التأمّل في سِيَر المعصومين من آل الرسول ، وما قيضهم المولى سبحانه له من كسح أشواك المنكر وإرشاد العباد إلى الطريقة المثلى تتجلّى له رغبتهم (عليهم السّلام) في هاتيك المحتشدات الدامية ، لأنّ الغاية المتوخّاة لهم إنّما هي تعريف الاُمّة أحقيّتهم بمنصب الرسول الأقدس ، وإنّ الدافع لهم عن هذا الحق المجعول لهم من الباري عزّ اسمه مائل عن النّهج القويم ، وهذا المعنى إنّما يتسرّب إلى الأدمغة وتلوكه الأشداق ؛ بسبب هاتيك الثورات في مختلف الاصقاع لتتم الحُجّة على الاُمّة ، فلا يسع أحداً الاعتذار بالجهل بالإمام المنصوص عليه من النّبي الأعظم.