وإنّما نشاهد من بعض أئمّة الهدى الإنكار والتبرّي من العلويِّين وغيرهم الخارجين على خلفاء الجَور ، فإنّما هو للتقيّة من السّلطة الغاشمة ؛ كيلا تنسب إليهم الثورة فينالهم مالا يحمد عقباه.
نعم كان في الثائرين اُناس اتّخذوا مظلوميّة أهل البيت فخّاً يصطادون به البسطاء. فابن الزبير الذي كان يشيد بذكر الحسين (ع) والظلم الذي جرى عليه ، لمّا حسب أنّه ملك الأمر تركه ، فكان أشدّ المناوئين لأهل البيت (عليهم السّلام) وأظهر ما انحنت عليه جوانحه.
فترك الصلاة على النّبي (ص) أربعين جمعة فقيل له في ذلك ، قال :
إنّ له أهل بيت سوء ، إذا ذكرته ، اشرأبت نفوسهم إليه وفرحوا بذلك ، فلا اُحبّ أنْ اُقرّ أعينهم (١).
ولقد جرّأه على ذلك معاوية بن أبي سفيان الذي يقول لمّا سمع المؤذّن يشهد بالرسالة : (... وإنّ أخا هاشم يصرخ باسمه في كلّ يوم خمس مرّات : أشهد أنَّ محمداً رسول الله (ص) ، فأيّ عمل يبقى مع هذا لا اُمّ لك ، والله إلا دفناً دفنا) (٢).
ولمّا سمع المأمون بهذا الحديث كتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر فأعظم النّاس ذلك وأكبروه واضطربت العامّة فاُشير عليه بالترك فأعرض عمّا كان عليه (٣).
وأعطف عليه بني العبّاس الذين ملأوا الجَوّ هتافاً بالاستياء لِما أصاب آل محمّد يوم الطفّ ، ولمّا حصلوا على الاُمنية ، قلبوا لهم ظهر المجن وأبادوهم عن جديد الأرض ، وكان موسى بن عيسى العباسي ، صاحب الوقعة (بفخ) يقول : لو نازعنا النّبي (ص) هذا الأمر لضربنا خيشومه بالسّيف (٤).
__________________
(١) المقاتل لأبي الفرج ص ١٦٥ ط ايران.
(٢) شرح النهج الحديدي ج ٢ ص ٥٣٧.
(٣) مروج الذهب ج ٢ ص ٣٤٣ آخر أخبار المأمون.
(٤) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج ص ١٥٨ ط ايران.