مضى ابن أبي سفيان فرداً لشأنه |
|
وخلفت فانظر بعده كيف تصنع |
أقمنا على المنهاج واركب محجة |
|
سداداً فأنت المرتجى حين نفزع |
فلما قرأ يزيد الكتاب أنشأ يقول (١) :
جاء البريد بقرطاس يخبُّ به |
|
فأوجس القلب من قرطاسه فزعا |
قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم |
|
قال الخليفة أمسى مثقلا وجعا |
مادت بنا الأرض أو كادت تميد بنا |
|
كأن ما عزَّ من أركانها انقلعا |
من لم تزل نفسه توفي على وجل |
|
توشك مقادير تلك النفس أن تقعا |
لما وردت وباب القصر منطبق |
|
لصوت رملة هُدَّ القلب فانصدعا |
وسار إلى دمشق ، فوصلها بعد ثلاثة أيام من دفن معاوية (٢) ، وخرج الضحّاك في جماعة لاستقباله ، فلمّا وافاهم يزيد جاء به الضحّاك أولاً إلى قبر أبيه ، فصلّى عند القبر.
ثمّ دخل البلد ورقى المنبر ، وقال : أيّها النّاس ، كان معاوية عبداً من عبيد الله ، أنعم الله عليه ثمّ قبضه إليه. وهو خير من بعده ودون من قبله. ولا أزكّيه على الله عزّ وجلّ ؛ فإنّه أعلم به ، إن عفا عنه فبرحمته ، وإن عاقبه فبذنبه. وقد ولِّيتُ الأمر من بعده ، ولستُ آسى على طلب ، ولا أعتذر من تفريط ، وإذا أراد الله شيئاً كان. ولقد كان معاوية يغزو بكم في البحر ، وإنّي لستُ حاملاً أحداً من المسلمين في البحر. وكان يشتيكم بأرض الروم ، ولستُ مشتياً أحداً بأرض الروم. وكان يخرج عطاءكم أثلاثاً ، وأنا أجمعه كلّه لكم (٣).
فلم يقدم أحد على تعزيته حتّى دخل عليه عبد الله بن همام السّلولي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، آجرك الله على الرزيّة ، وبارك لك في العطيّة ، وأعانك على الرعيّة ، فقد رزئت عظيماً واُعطيت جسيماً ، فاشكر الله على ما اُعطيت ، واصبر على ما رزئت. فقد فقدتَّ خليفة الله واُعطيت خلافة الله ، ففارقت جليلاً ووهبت جزيلاً ، إذ قضى
__________________
(١) الاغاني ج ١٦ ص ٣٤ طبعة دي ساسي.
(٢) مقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٧٨ وفي الاستيعاب على هامش الاصابة بترجمة معاوية عن الشافعي : أن معاوية لما ثقل كتب إلى يزيد وكان غائباً يخبره بحاله فأنشأ يزيد يقول وذكر أربع أبيات الاول والثالث واثنان لم يذكرا هنا.
(٣) البداية لابن كثير ج ٨ ص ١٤٣.