معاوية نحبه ، وولِّيت الرياسة واُعطيت السّياسة ، فاورده الله موارد السّرور ووفقك لصالح الامور ، ثمّ أنشأ :
إصبر يزيد فقد فارقت ذا كرم |
|
واشكر حباء الذي بالملك أصفاك |
لا رزء أصبح في الأقوام قد علموا |
|
كما رزئت ولا عقبى كعقباك |
أصبحت راعي أهل الدين كلهُمُ |
|
فأنت ترعاهُمُ والله يرعاك |
وفي معاوية الباقي لنا خلف |
|
إذا نعيت ولا نسمع بمنعاك |
فانفتح بذلك للخطباء (١) ، وقال له رجل من ثقيف : السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، إنّك قد فُجعت بخير الآباء ، واُعطيت جميع الأشياء ، فاصبر على الرزيّة ، واحمد الله على حُسن العطيّة ، فلا أحد اُعطي كما اُعطيت ولا رزئ كما رزئت. وأقبل الناس عليه يهنّئونه ويعزّونه فقال يزيد : نحن أنصار الحقّ وأنصار الدِّين ، وأبشروا يا أهل الشام ، فإنّ الخير لم يزل فيكم وستكون بيني وبين أهل العراق ملحمة ؛ وذلك إنّي رأيت في منامي منذ ثلاث ليال كأنّ بيني وبين أهل العراق نهراً يطّرد بالدم جرياً شديداً ، وجعلتُ أجهد نفسي لأجوزه فلم أقدر حتّى جازه بين يدي عبيد الله بن زياد وأنا أنظر إليه!.
فصاح أهل الشام إمض بنا حيث شئت ، معك سيوفنا التي عرفها أهل العراق في صفّين ، فجزاهم خيراً وفرّق فيهم أموالاً جزيلة.
وكتب إلى العمّال في البلدان يخبرهم بهلاك أبيه ، وأقرّهم على عملهم ، وضمّ العراقَين إلى عبيد الله بن زياد ـ بعد أن أشار عليه بذلك سرجون مولى معاوية ـ ، وكتب إلى الوليد بن عتبة وكان على المدينة :
أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبداً من عباد الله أكرمه واستخلصه ومكّن له ، ثمّ قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته وعقابه ، عاش بقدر ومات بأجل ، وقد كان عَهَدَ إليَّ وأوصاني بالحذر من آل أبي تراب ؛ لجرأتهم على سفك الدماء ، وقد علمتَ يا وليد أنّ الله تبارك وتعالى منتقم للمظلوم عثمان بآل أبي سفيان ؛ لأنّهم أنصار الحقّ وطلاب العدل ، فإذا ورد عليك كتابي هذا ، فخذ البيعة على أهل المدينة.
__________________
(١) البيان والتبيين للجاحظ ٢ ص ١٠٩ ، ط ٢ ، باب وصية معاوية ، وكامل المبرد ٣ ص ٣٠٠ ، والعمدة لابن رشيق ٢ ص ١٤٨ ، باب الرثاء (وبينهم اختلاف يسير) ، والعقد الفريد لابن عبد ربّه ٢ ص ٣٠٩ ، باب طلب معاوية البيعة ليزيد.